قمة بغداد التي عقدت منذ أربعة أيام، هي أول تجسيد للنظام العربي الرسمي بعد تسونامي الاحتجاجات العربية وتغيير بعض أنظمته خلال سنة 2011، فماذا أنجزت؟ مع بداية الثورات العربية في العام المضي، ظهرت نكتة على "الفيسبوك" تقول إن القمة العربية القادمة ستكون قمة تعارف بين الرؤساء العرب... وقد كان. قمة بغداد هي القمة الثالثة والعشرين، حيث أصبحت القمة تقليداً سنوياً منذ اتخاذ القرار في مؤتمر الرؤساء سنة 2000 على أساس أنه طالما بقي اتخاذ القرار في الدول العربية منحصراً في مستوى القادة، فإن تنظيم قمة سنوية قد يساعد العلاقات بين الدول العربية ويمنع الأزمات قبل أن تستفحل. كانت أمانة الجامعة العربية متحمسة لترسيخ تقليد عقد القمة لأنه قد يزيد من فاعلية عمل الجامعة ويجعلها أكثر حضوراً في الشارع العربي. لا تحتاج أن تكون متخصصاً في العلوم السياسية لكي ترى أن أحداً من هذه الأهداف لم يتحقق منذ اتخاذ قرار "سنوية" القمة في سنة 2000. قبل قمة بغداد هذه، عقدت القمة الثانية والعشرين منذ عامين في سرت، بالقرب من مسقط رأس العقيد الليبي القذافي ومعقل قبيلته. استعدت سرت قبل هذه القمة بشهور: من تحسين للبنية التحتية، وبناء فندق كبير، ثم طلاء واجهات المنازل القديمة، ثم لبست أحسن حللها في يوم القمة، إنه يوم عرسها. والواقع أن العقيد نظر للمؤتمر على أنه حدث ليبي، حتى وإن اعتذر العديد من الزعماء العرب عن الحضور، وفي مقدمتهم العاهل السعودي، أما الذين ذهبوا إلى هذه القمة، فكانت أيديهم على قلوبهم خوفاً من إحدى مفاجآت العقيد، فقد كان مشهوراً بمفاجآته غير المتوقعة. لكن القمة لم تحقق شيئاً يذكر سوى تدشين سرت والمكافآت التي حصل عليها ساكنوها. حتى الموضوع المدرج على جدول أعمال القمة منذ سنوات، وهو إصلاح الجامعة وتطوير ميثاقها، فقد تم ترحيله إلى قمة استثنائية تعقد قبل نهاية سنة 2010، لكنها لم تعقد بالطبع. ثم جاء "الربيع العربي" ولم تعقد القمة العادية في موعدها خلال سنة 2011. لكن العراق كان حريصاً على استضافة القمة، حتى ولو كان رئيسها كردياً، ونحن نعرف أن صلاح الدين الأيوبي الذي تصدى للحملة الصليبية كان كردياً. كان هدف استضافة القمة لكل أطياف نخبة الحكم العراقية، هو إثبات أن العراق هنا، على استعداد لدخول المعترك الإقليمي، وأنها تقدم أوراق اعتمادها في هذا الصدد عن طريق إثبات أن بغداد آمنة. ومن هنا، التكاليف الضخمة والإجراءات الأمنية المشددة منذ أسابيع قبل عقد القمة، بما فيها تطبيق إجراءات حظر التجول، وعمليات وقائية واستباقية، وحشد ما يقرب من مئة ألف عنصر أمني، بالملابس العسكرية والمدنية، لحماية مقر انعقاد المؤتمر والفنادق المهيأة لاستقبال المشاركين... لكن لم يحضر القمة -رغم المطالبات العراقية والضغوط الأميركية- سوى عشرة رؤساء من أصل 23 عضواً. والسؤال الرئيسي هو: ثم ماذا بعد؟ بالرغم من كل هذه التكاليف والإجراءات، كيف يبدو النظام العربي بعد ربيعه؟ كيف تبدو قمته وجامعته؟ لا يعبر البيان الختامي الطويل عن تغير يذكر، سواء في التوجه العام أو في السلوك على أرض الواقع، باستثناء التعرض للوضع في سوريا، فالمسألة المثارة هي دون تعديل: فلسطين التي تستحوذ على نصف كلمات البيان الختامي، الإرهاب، إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، ثم إشارة موجزة إلى اليمن لا تزيد عن فقرة قصيرة للغاية، وفقرة أطول بعض الشيء عن الصومال. الإشارات ليست فقط موجزة، ولكنها عامة أيضاً، بل مطاطة كذلك. لم يتم التعرض للموقف الإنساني الكارثي في هذين البلدين، والذي أصبح محل اهتمام شديد من جانب المنظمات العالمية الإنسانية، حكومية وغير حكومية، حتى الموضوع الجديد -الوضع السوري- لم يخرج البيان بأي جديد بالمرة: التأكيد على قرارات الجامعة العربية دون التعرض للرفض السوري، قرارات الأمم المتحدة، تأييد مهمة عنان. وإجابة على السؤال عن إنجازات أول قمة عربية بعد تسونامي "الربيع العربي"؟ فهي أنه على المستوى القومي الذي تجسده الجامعة وقمتها، لا يزال الإنجاز ضعيفاً، بل وحتى غير مرئي. الإجابة تختلف بعض الشيء على المستوى القطْري، أي فيما يتعلق بالدولة المضيفة، سواء أكانت ليبيا في القمة الثانية والعشرين أو العراق في القمة الثالثة والعشرين، فقد احتضنت بغداد القمة لإنهاء عزلتها العربية وتحطيم الأسوار التي عاشت فيها منذ منتصف التسعينيات، وعلى أمل تدعيم مؤسسات الدولة العراقية. الهدف إذن من قمة سرت قبل عامين وقمة بغداد حالياً، لم يكن قومياً بقدر ما هو قطري. وبينما يتغير الواقع العربي بعد ربيعه، لم يتغير نظامه. وتجارب التاريخ -عربياً وعالمياً- تبين أن أي نظام لا يستطيع أن يعيش في فجوة مع واقعه.