انفضت القمة العربية الثالثة والعشرون، التي عقدت ببغداد. انفضت القمة ولم يبق شيء من نثار الخطب الافتتاحية والشعارات وبقيت صورة تذكارية للحاضرين من قادة ووزراء. قمة لم تحمل مفاجآت ولم تحتمل توقعات، ولم يعكس بيانها الختامي نجاحات تذكر. كان انعقادها في بغداد بعد عام على موعدها المقرر سلفاً في قمة سرت بليبيا عام 2010، الإنجاز بحد ذاته، حضر 10 قادة عرب، يلتقي بعضهم لأول مرة، فحضرت قيادات عربية جديدة حملتها للسلطة رياح الحراك العربي من تونس ومصر وليبيا واليمن، ممثلين لدول تعاني من رياح عدم الاستقرار، وتمر بمخاض عسير لولادة دول مستقرة تحتاج واقعيّاً إلى سنوات حتى تستقر. حضر الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت الزعيم الخليجي الوحيد الذي قرر المشاركة في قمة بغداد في أول زيارة يقوم بها رئيس دولة كويتي إلى العراق منذ الغزو العراقي عام 1990. وكان ضعف التمثيل الخليجي رسالة لبغداد واضحة المعاني. وغابت سوريا عن القمة بعد أن تم تجميد عضويتها، وأعلنت دمشق رفضها المسبق لقرارات القمة العربية مهما كانت، وللغياب السوري رمز يتعدى رفض التدخل في الشأن الداخلي، ولكن غاب الأسد وحضرت سوريا. بحث قادة الوفود تسع نقاط رئيسية في القمة، وخرجوا بإعلان بغداد الذي يتضمن 49 نقطة تفصيلية، وخلال القمة ترددت عبارة "إن العراق عاد إلى العرب وإن العرب عادوا إلى العراق بعد غياب 22 عاماً"، كلازمة لكل خطاب في القمة من خطابات القادة العرب ووزراء خارجيتهم والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي. وقبل القمة أعطت بغداد إشارات عربية، فعدلت من موقفها المتحفظ من موقف الجامعة العربية تجاه الملف السوري، فعبرت عن تأييدها لخطة وزراء الخارجية العرب دون تحفظ ثم صوتت إلى جانب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ولكن العودة العراقية للعرب وخارج الحديث الإنشائي تتطلب المزيد من الخطوات العراقية الإيجابية للمصالحة الداخلية ولفك الارتباط مع الدول ذات المصلحة في إبقاء العراق خارج المنظومة العربية، وتنتظر من الحكومة العراقية إقامة توازن بين دول الخليج العربية و(دول الجوار) -إيران- فهل تمثل رئاسة العراق للقمة عودة الثقل العربي لبغداد في الجغرافيا السياسية العربية؟ وقد صرح الأمين العام نبيل العربي بأنه لا قرارات جديدة في الشأن الفلسطيني. وفي الملف السوري، الملف الأكثر إلحاحاً، امتزجت العبارات الدبلوماسية مع الدعوات للحوار، وتباينت التصريحات والمواقف العربية من قضية "تسليح المعارضة السورية"، فظهر البيان الختامي بقرارات في الحد الأدنى سلمت بنقل التعامل مع الملف السوري إلى الأمم المتحدة، ودعمت في بيانها النقاط الست التي تشتمل عليها خطة كوفي عنان مع التركيز على ضرورة تبنيها بقرار ملزم من مجلس الأمن. كانت قمة بغداد قمة عادية في زمن استثنائي، أظهرت الحاجة إلى منظومة عربية جديدة تعيد للجامعة العربية وأعضائها الثقل السياسي والدور الإقليمي والدولي الفاعل بأن تستعيد مواقعها، وأن تملأ فراغات القوة حتى ترفع دول الجوار الجغرافي يدها من التسلسل والتدخل في الشؤون والقضايا العربية. وكان غياب الفعل عن القمة العربية هو الاستشراف الوحيد المعروف سلفاً لدى المواطن العربي بشكل عام، وتجاه الملف السوري بشكل خاص، فبعد يومين على انفضاض القمة أعلن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون دعوته لتسليح المعارضة السورية، ودعا البيان المشترك، بين الولايات المتحدة ووزراء خارجية مجلس التعاون كوفي عنان إلى تحديد جدول زمني للرئيس السوري لقبول خطة سلام جديدة ووضع حد للعنف ضد المحتجين. ببساطة سقطت القمة العربية في الامتحان السوري، كما سقطت المبادرة العربية الداعية لتنحي الأسد لصالح نائبه التي كانت في 22 من فبراير الماضي بقبول الجامعة لخطة عنان، مما يعني أن ترجيح مؤسسة الجامعة الحل الدبلوماسي للأزمة السورية كحل توافقي سقوط آخر للجامعة العربية.