تبادل (السودانان) الاتهام بالأمس حول الصدام الحدودي الذي حصل بين جيش السودان وقوات جمهورية جنوب السودان حول منطقة "أهليلج" الغنية بالنفط. ففي حين نقلت الأنباء ما قالت إنه هجوم لجيش السودان على المنطقة وتدميره لمواقع نفطية وصف وزير الدفاع السوداني عبدالرحيم حسين سيطرة قوات الجنوب على المنطقة بأنها إعلان حرب، وأن المنطقة ليس مُتنازعاً عليها، لأنها تتبع شمال السودان، ونفى قيام جيش السودان (الشمالي) بقصف حقول النفط. حصل ما توقعناه في شهر سبتمبر الماضي من مخاوف حول انفجار مشاكل جديدة بين شمال السودان وجنوبه بعد استقلال الجنوب في دولة جديدة، كان أول من اعترف بها إسرائيل! كما توقعنا أيضاً احتمال حدوث انشطار في غرب السودان، إذا ما حَلمَ أهلُ دارفور بإقامة دولة لهم. وأن انفصال الجنوب يفرض حتميات سياسية قد تضر ليس بمصالح السودان الشمالي، بل بمصالح الأمة العربية بأسرها، إذا ما حصل تعاون عسكري وتقني بين دولة الجنوب وإسرائيل. أو إذا حصلت تحالفات جديدة بين الدول المحيطة بمنابع النيل، التي قد يتضرر منها السودان ومصر. وفي تطور لاحق اندلع قتال في السودان بين الجيش الرسمي (للشمال) و"حركة العدل والمساواة" بعد فترة وجيزة من توقيع اتفاق السلام حول دارفور وتم قتل زعيم الحركة خليل إبراهيم، وقيل حينها إن مقتل خليل سيمهد للاستقرار والأمن ويجعل الفرقاء يميلون إلى السلام والدخول في تحالفات جديدة. كما قلنا: إن السودان بعد انفصال الجنوب لم يهنأ بالاستقرار والسلم، بل تم تبادل الاتهامات بين الشمال والجنوب حول قضية النفط ومنطقة "أبيي" بالذات بعد شهور قلائل من انفصال الجنوب. وفي فبراير الماضي أعلن متمردون سودانيون مقتل 150 جنديّاً سودانيّاً في معارك على الحدود المتنازع عليها مع جنوب السودان. في حين نفى الجيش السوداني قتل هذا العدد، وأكد أنه قتلَ عدداً كبيراً من المتمردين. وكان المتحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان (قطاع الشمال) قد أعلن أن الضحايا سقطوا نتيجة الهجوم المفاجئ الذي قامت به حركته على منطقة "جاو" ضد قوات الحكومة المتمركزة هناك. وأن الحركة غنمت 3 دبابات ومئات الأسلحة والسيارات في عملية مشتركة مع قوة صغيرة من "حركة العدل والمساواة" (وهي أكثر الحركات المتمردة في إقليم دارفور تسليحاً). معلوم أن هنالك 3 حركات -من دارفور- أعلنت تحالفها مع الحركة الشعبية لشمال السودان التي تقاتل الجيش السوداني في ولايتي "جنوب كردفان" و"النيل الأزرق" بهدف إسقاط نظام البشير. وزعمت مصادر أمنية أميركية أن السودان (الشمالي) يقوم بعمليات "تطهير عرقي" في جنوب السودان، وطالبت بعمل إنساني في المنطقة، بعد زيارة النائب الجمهوري الأميركي "فرانك وولف" للمنطقة الملتهبة مؤخراً. وفي ذات الوقت أعلن وزير خارجية السودان علي كرتي أن الخرطوم ملتزمة بالنهج السلمي لحل الخلافات مع جنوب السودان عبر المفاوضات؛ وذلك خلال لقائه نائب الرئيس الصيني "سيتي بينج" في بكين مؤخراً. وكان رئيس حزب الأمة القومي السوداني المعارض الصادق المهدي قد أكد أن النظام الحاكم في السودان وصل إلى نتائج فاشلة للغاية وألمح إلى "حالة تأزم اقتصادي وتأزم دولي بفعل إصدار مجلس الأمن لقرارات جعلت قيادة البلاد ملاحقة جنائيّاً". وانتقد الحرب الدائرة بين الشمال والجنوب معتبراً أن "النظام لابد أن يُستبدل بنظام جديد". وكان المبعوث الأميركي الخاص للسودان "برينستون ليمان" قد أكد حرص بلاده على تهدئة الأوضاع بين السودان ودولة جنوب السودان، مشيراً إلى أن أسباب عدم التوصل لاتفاق -في جولة المفاوضات الأخيرة في أديس أبابا بين وفدي السودان وجنوب السودان- ترجع بدرجة كبيرة إلى ضعف الثقة بين الطرفين. وكانت جولة المفاوضات بين الطرفين في أديس أبابا بشأن موضوع النفط لم تسفر عن نتائج إيجابية. وهذا الموضوع للأسف لم تحسمه اتفاقيات استقلال الجنوب. وهو يتنافى مع الرؤية التفاؤلية التي بدت خلال لقاء البشير مع سلفاكير حيث بدا أن "حقبة جديدة من السلام والتعاون بين الشمال والجنوب قد بدأت" كما أعلن حينها. وكانت بوادر التوتر قد بدأت عندما قام السودان (الشمالي) بمصادرة النفط المنقول من الجنوب عبر أراضيه مقابل رسوم العبور، الأمر الذي ألجأ حكومة الجنوب إلى وقف ضخ النفط. وكانت حكومة الخرطوم قد قدمت بلاغاً إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي متهمة دولة الجنوب بتوفير الدعم اللوجستي والعسكري لمجموعة الحركات "المتمردة" -الجبهة الثورية المتحدة- التي هاجمت منطقة "الأبيّض". وقد اعترف الناطق الرسمي للقوات المسلحة السودانية العقيد الصوارمي خالد بسيطرة الجيش على منطقة الأبيّض، ولكنه اعترف بما أعلنته الجبهة عن مقتل 150 جنديّاً سودانيّاً (شماليّاً) وقال: "إن حديثهم عن قتل 150 شخصاً هو اعتراف صريح بالاعتداء، وهو تصريح يُعتبر خصماً عليهم". وأوضح أن الهجوم وقع داخل العمق السوداني وأنه تم إبلاغ الأمم المتحدة بذلك. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية قد أعلنت مؤخراً أمام مجلس النواب الأميركي بأن الرئيس السوداني يعمل على تقويض دولة جنوب السودان التي استقلت عن الخرطوم في يوليو 2011، وأكدت عزمها على دراسة مواصلة الضغط عليه. وكانت الخرطوم قد هددت بطرد السفير الأميركي إذا ما استمرت واشنطن في الترويج لوجود مجاعة في النيل الأزرق وجنوب كردفان و"أبيي"، واتهمت واشنطن بالسعي لتنفيذ أجندة سياسية تقوم على فصل المنطقتين وتبعية "أبيي" لجنوبي السودان. والجديد في تبادل الاتهامات بين سودان الشمال وسودان الجنوب، بعد معضلة "أبيي" أن هنالك أربع حركات سودانية أعلنت عن تشكيل تحالفات بينها لإسقاط نظام البشير في الشمال. وأن الخرطوم قد اتهمت "جوبا" بدعم هذا التحالف، بل وتأسيسه!. ويضم هذا التحالف "حركة العدل والمساواة" و"حركة تحرير جناح مناوي" و"حركة تحرير جناح عبدالواحد محمد نور" و"جناح الحركة الشعبية في الشمال" التي تقاتل الآن في منطقتي "النيل الأزرق" و"جنوب كردفان". وكان رئيس دولة الجنوب "سيلفاكير" قد أمر الجيش بالانتشار على طول الحدود المشتركة مع السودان (الشمالي) استعداداً لحرب متوقعة بين شطري السودان في الأسبوع الأول من شهر فبراير الماضي. وأضاف "كير" أن البشير يحشد قواته على حدود دولة الجنوب لغزوها بهدف ضمها بالقوة. وحذر "كير" بأنه "على السودان الابتعاد عن الحرب وأن يوقف دعم الميليشيات الجنوبية ويحل مشكلاته في دارفور والمناطق السودانية الأخرى، وليس خوض حرب جديدة ضد الجنوب". هذا هو المشهد بين السودانين، أما المشهد الأكثر قتامة فهو مستقبل الاستثمارات الخليجية في الدول الملتهبة مثل السودان وغيره. وهذا ما سنعود إليه لاحقاً.