اقترب العد التنازلي لانعقاد القمة العربية العادية في العاصمة العراقية بغداد بعد غد الخميس، في اجتماع يعقد هذه المرة في توقيت ومكان شديدي الحساسية، وظروف استثنائية تمر بها المنطقة العربية التي شهدت ثورات شعبية أطاحت بأنظمة حكم عتيدة. بالنسبة للعراق، مجرد انعقاد القمة العربية في موعدها هو النجاح بذاته، وقد وعد بتوفير أعلى مستويات الأمن والسلامة لكافة الضيوف، على رغم التفجيرات الإرهابية الأخيرة التي هزت بغداد الأيام الماضية لإفشال القمة، وكأن منفذوها يهددون الضيوف القادمين لعاصمة الرشيد بأن القمة ستكون "غير عادية". ولأجل هذا كثفت بغداد إجراءاتها الأمنية منذ الأيام الماضية، وعطلت الدراسة في المدارس، وفرضت أطواقاً أمنية بالغة التشديد، إلى درجة أن التقارير الإخبارية تشير إلى أن الحركة في العاصمة أصبحت شبه مستحيلة! يريد العراق أن يثبت استعادة دوره المحوري في العالم العربي، ولكن العرب متشككون من قدرته على لعب أي دور، فهو لم يشهد الاستقرار منذ الإطاحة بنظام صدام في 2003 وبدء الاحتلال الأميركي، بل إنه دخل في صراعات طائفية، ومعركة تصفية حسابات بين الخصوم السياسيين، فيما لا تخفى على المراقبين اليد الطولى لإيران في العراق. وقمة بغداد "العادية" ستعقد هذه المرة في ظروف "غير عادية" واستثنائية! وأهم ما يميزها أنها تعقد هذه المرة بغياب نجوم القمم العربية مثل مبارك، والقذافي، وعلي عبدالله صالح، حيث أطاحت بهم عواصف الحراك العربي، التي ما زالت رياحها الهوجاء تعصف بشدة في سوريا وتأبى أن تسكن دون الإطاحة بنظام الأسد. ومن غير المتوقع أن تحقق قمة بغداد أي إنجاز لصالح العمل العربي المشترك، ولن يتضمن بيانها أي قرار جوهري أو موقف حازم تجاه القضايا العربية والإقليمية السائدة. وأكاد أجزم بأن البيان الختامي لن يخلو من تكرار الديباجات المطولة نفسها، وسيحتوي على أهم ما يلي: دعم مسيرة السلام في الشرق الأوسط وإدانة تصعيد إسرائيل الأخير وسعيها لتهويد القدس الشريف، والمطالبة بتنفيذ بنود المصالحة الفلسطينية بين "فتح" و"حماس"، ونبذ الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، وغير ذلك من البنود التي سيتم التعامل معها بمبدأ النسخ واللصق من بيانات القمم السابقة! أما بشأن الوضع السوري المتأزم وممارسة نظام الأسد القمع والتنكيل بحق شعبه وهو أهم ملف على طاولة القادة العرب، فلا أتوقع أن ينحاز البيان الختامي للقمة لصالح الشعب السوري الذي يطالب بتسليح "الجيش الحر" وفرض منطقة عازلة. ولكن البيان الختامي سيكون مجرد توجيه دعوات ومناشدات بوقف الأعمال العسكرية، وبدء الحوار الوطني، وعدم عرقلة أعمال الإغاثة، وهي مطالبات لطالما تكررت من المسؤولين العرب منذ بدء النظام السوري في قمع الاحتجاجات الشعبية في بلده وممارسة كافة صور القتل والتنكيل بحق المعارضين للنظام. والحال أن القمة المقبلة ستكون قمة بروتوكولية لا أكثر، وفرصة للتعارف بين الزعماء الجدد والقدامى، وعقد الاجتماعات الثنائية لبحث المصالح المشتركة وتحسين العلاقات القائمة. وفيها مأدبة غداء وصورة جماعية تذكارية. وتحديد المكان لعقد قمة 2013، ومن ثم السلام والوداع!