مضت عشر سنوات على مرور مبادرة السلام العربية التي أكد القادة العرب بموجبها أنهم سيعترفون بإسرائيل، ويطبعون العلاقات معها، إذا ما انسحبت من المناطق التي احتلتها في حرب يونيو1967 ودخلت في مفاوضات مع الفلسطينيين للتوصل إلى حل للصراع المستمر منذ عقود. وبإصدارهم لتلك المبادرة أوضح القادة العرب أن المشكلة مع إسرائيل ليست وجودية، وإنما هي مشكلة تتعلق بالسلام والأراضي والحقوق. وكان من المفترض أن يكون ذلك اختراقاً كبيراً جداً، ولحظة تغيير مصيرية في تاريخ الصراع، ولكن هذا لم يحدث للأسف، حيث تمنعت إسرائيل على المبادرة ، وهونت من شأنها، كما قللت إدارة بوش، من أهميتها كذلك. وليس هناك شك في أن تلك المبادرة، كانت بالنسبة للبعض في العالم العربي، حبة دواء مرة نظراً للمظالم التاريخية الحقيقية والعميقة، التي كانوا يحسون بها جراء الخيانات التي تعرضوا لها على أيدي القوى الاستعمارية التي مزقت الوطن العربي، ودعمت إقامة إسرائيل على أرض فلسطين. ومثل كافة الشعوب التي ابتليت بالاستعمار الاستيطاني، ظل العرب ثابتين في إصرارهم على عدم شرعية ذلك الكيان الجديد الذي طرد الشعب الفلسطيني المالك الأصلي للأرض من دياره، وهو ما أدى لاستدامة الصراع إلى أن وصل ذروته في حرب الخامس من يونيو عام 1967 التي احتلت فيها إسرائيل الجزء المتبقي من فلسطين. وعندما توصل الإسرائيليون والفلسطينيون إلى اتفاقيات أوسلو عام 1993، بدا أن الحل النهائي للصراع بات قاب قوسين أو أدنى، وخصوصاً بعد أن اعترف الطرفان بحقوق كل منهما الوطنية (وهذا يمثل الاختراق الرئيسي الحقيقي في اتفاقيات أوسلو). وقد اعتقد العالم في ذلك الوقت أن الطريق باتت ممهدة أخيراً لمفاوضات تؤدي إلى إنهاء الصراع مرة واحدة وإلى الأبد من خلال إقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية. وبالنسبة للعديد من الفلسطينيين كانت أوسلو خطوة صعبة، ولكنهم تفهموا في ذات الوقت أنها كانت خطوة يتعين عليهم القيام بها لتطبيع وضعهم، وضمان حقهم في تأسيس دولتهم، وإعادة بناء مجتمعهم الوطني. ولكن لم تكن المحصلة مثالية -هكذا أدركوا- ولم تكن بالتالي كافية لمعالجة المظالم التاريخية التي تعرضوا لها، ولا كافية لاستعادة كافة حقوقهم المشروعة. ومع ذلك، وضع الفلسطينيون ثقتهم في المفاوضات معتقدين أن المستقبل الذي سيبنونه من خلال أوسلو، سيكون أفضل من المستقبل الذين سيحصلون عليه من خلال استمرار الصراع. ولكن بعد عشر سنوات على تلك الاتفاقية تضاعفت الآن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، كما تم فصل القدس عن الضفة الغربية من خلال سلسلة من المشروعات الاستيطانية الضخمة، ونقاط التفتيش، كما تفاقمت البطالة، وأصبح من الواضح أن إسرائيل ليست لديها الرغبة ولا النية في السماح بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، أو الدخول في مفاوضات جدية يمكن أن تؤدي إلى ذلك في نهاية المطاف، أو تقود إلى حل العديد من الموضوعات الأخرى المعلقة مثل (ملفي اللاجئين والحدود وغيرهما...). وعند هذه النقطة تحديداً، اندلعت الانتفاضة الثانية، التي كانت على العكس من الانتفاضة الأولى، أكثر عنفاً، وهو ما قوبل بقمع عنيف من جانب الإسرائيليين. والشيء اللافت للنظر، أن القادة العرب وعلى رغم ذلك اجتمعوا في العاصمة اللبنانية بيروت، وقدموا في نهاية اجتماعاتهم مبادرة السلام العربية. وكان الأمل الذي حدا بالقادة العرب في ذلك الوقت لاتخاذ خطوتهم تلك هو أنهم من خلال تقديمهم لإسرائيل الشيئين اللذين قالت إنها تحتاج إليهما أكثر من غيرهما وهما السلام وتطبيع العلاقات، سيحفزون عملية التسوية، ويدفعون لاستئناف المفاوضات التي تؤدي لإحلال السلام. لقد قلت إن تلك المبادرة كانت بمثابة الدواء المر، ولكنها كانت أيضاً بالنسبة لمعظم العرب مناسبة تحويل وفرصة تغيير لجمود عملية السلام. وكنت قد تحدثت مع رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الراحل رفيق الحريري عقب تلك القمة بعدة سنوات، وقال لي حينها إن الكثير قد تغير في الخطاب العربي- العربي منذ ذلك الحدث المهم. وكان من ضمن ما قاله لي الحريري كذلك إنه قبل سنوات من تقديم تلك المبادرة، لم يكن أحد يجرؤ على اقتراح أو مناقشة موضوع السلام مع إسرائيل، أما الآن -في وقت إجراء الحوار معه- فإن غالبية الناس باتت تناقش هذا الموضوع علناً وتتطلع بشوق إلى محصلته المتمثلة في إقامة دولة فلسطينية، لو كلفت إسرائيل نفسها وأقدمت على اتخاذ الخطوات المطلوبة لجعل ذلك الأمر يحدث. ومن الطبيعي أننا عندما أجرينا استطلاع رأي بشأن تلك المبادرة عبر العالم العربي، وجدنا أن ثلاثة أرباع العرب يدعمون التوصل لحل للصراع العربي- الإسرائيلي، يقود لإقامة دولة فلسطينية جنباً لجنب مع دولة إسرائيل. وهذه هي الأخبار الجيدة... بيد أنه تبين أيضاً أن ما يزيد على نصف العرب غير مقتنعين بأن إسرائيل لديها الرغبة في الإقدام على اتخاذ الخطوات اللازمة لتجسيد هذا الأمل. وإذا ما أخذنا التصرفات الإسرائيلية الحالية في الحسبان فإن معنى ذلك أن هذا الشعور السلبي سيتزايد. إن الحاجة إلى تغيير هذه الدينامية، واستعادة الأمل والعمل من أجل السلام، يجب أن تكون هي ما يشغلنا جميعاً في الوقت الراهن. وهذا هو السبب الذي حدا بالمعهد العربي الأميركي في واشنطن، وجماعة "جيه ستريت" بالتعاون مع مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، لاستضافة فعالية احتفالًا بذكرى مرور عشر سنوات على مبادرة السلام العربي. وبالطبع سيكون هناك رافضون، تماماً مثلما كان هناك رافضون منذ عشر سنوات، عندما قام القادة العرب وسط ظروف صراع عنيف ورهيب بالإقدام على اتخاذ قرار شجاع من أجل السعي لتحقيق السلام. إننا درك بالطبع حجم التحدي الذي نواجهه، ولكننا ندرك أيضاً أنه كي يتحقق السلام المنشود، يجب أن تكون لدينا قاعدة دعم تنادي بتحقيق السلام وتؤيد السعي من أجله. وسنظل نحن ملتزمين بالعمل من أجل تحقيق هذا الهدف المأمول. جيمس زغبي مدير المعهد العربي الأميركي- واشنطن