بعيد وقت قصير على الهزيمة التي منيت بها في الانتخابات التي جرت على صعيد برلمانات الولايات، واجهت حكومة حزب "المؤتمر" أزمة سياسية متوقعة مع حليفها المهم، حزب "ترينا مول"، الذي طالب بإقالة وزير السكك الحديدية "دينيش تريفيدي" بسبب تقدمه باقتراح يقضي بفرض زيادة في أسعار تذاكر القطارات ضمن ميزانية السكك الحديدية لأول مرة منذ عقد من الزمن. وقد جرت العادة في الهند أن تقدم الميزانية السنوية للسكك الحديدية قبل عرض الميزانية السنوية الرئيسية على البرلمان من أجل الموافقة عليها. وتتعلق ميزانية السكك الحديدية بمالية شركة "السكك الحديدية الهندية" المملوكة للدولة والتي تشرف على واحدة من أكبر شبكات السكك الحديدة في العالم. ولكن في سابقة من نوعها، تم نسيان محتويات وتفاصيل ميزانية السكك الحديدية لبعض الوقت بعد أن ابتليت الحكومة التي يقودها حزب "المؤتمر" بأزمة سياسية جديدة، حيث عارض حزب "تيرينا مول"، الذي يعد شريكاً في تحالف الحكومة المركزية، وتقوده "مامتا بانارجي" الزئبقية، ميزانية السكك الحديدية التي قدمها عضو الحزب نفسه "دينيش تيريفيدي" وطالب صراحة بإقالته. والمثير للاهتمام أن "دينيش تيريفيدي" هو أحد الأعضاء المؤسسين لحزب "تيرينا مول" وكان قد اختير من قبل حزبه ليكون وزير السكك الحديدية في إطار التحالف بين "تيرينا مول" وحزب "المؤتمر". وقد وقعت الحكومة في الأزمة لأنها لم يسبق لها أن عرفت وضعاً مماثلاً من قبل، وضع صدرت فيه المطالبة بإقالة وزير السكك الحديدية فور تقديمه الميزانية في البرلمان، علماً بأن المطالبة بالإقالة صدرت من داخل الحكومة. والواقع أن "مامتا بانارجي"، التي تعد سياسية لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، معروفة بتبنيها لسياسات شعبوية وسبق لها أن عارضت الزيادة في أسعار التذاكر في الماضي. ولكن المطالبة بإقالة وزير السكك الحديدية والعدول عن فرض زيادة في أسعار التذاكر وضعا الحكومة في موقف محرج جداً. والواقع أن "مامتا بانارجي" سبق لها أن عارضت في الماضي أيضاً عدداً من الإصلاحات التي كانت يرغب رئيس الوزراء "مانموهان سينج" في إدخالها، بل إنها أثبتت أنها أكثر فعالية من أحزاب المعارضة. غير أن هذا التطور الأخير كشف أيضاً عن هشاشة التحالف الحكومي الذي هو عبارة عن ائتلاف يضم أحزاباً مختلفة. والجدير بالذكر هنا أن الحكومة كانت قد واجهت خلال الأشهر القليلة الماضية أزمة تلو أخرى وتعرضت للانتقادات بسبب ما اعتبره البعض شللًا سياسياً، حيث ساهم كل من تباطؤ الاقتصاد، والعجز عن إدخال إصلاحات على قطاع المعاشات والتأمين، إضافة إلى قرار بوقف فتح الهند في وجه سلسلات البيع بالتجزئة الأجنبية، في التأثير سلباً في سمعتها. بيد أن معارضة حزب "تيرينا مول" للميزانية، التي كان قد أشاد بها "مانموهان سنج" باعتبارها "تتطلع إلى المستقبل"، تبرز التوتر الذي يواجه التحالف الحاكم، الذي يتعرض أصلاً للضغط من شريك آخر في الائتلاف هو حزب "دي. إم. كيه"، وهو حليف من ولاية "تاميل نادو" الواقعة في جنوب الهند يمارس ضغطاً على الحكومة حتى تصوت ضد الحكومة السريلانكية وتدعم قراراً مدعوماً من الولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يسعى إلى انتقاد سريلانكا بسبب انتهاكات مفترضة لحقوق الإنسان. والحال أن الحكومة الهندية تربطها علاقات جيدة بالحكومة السريلانكية وتتبنى سياسة معروفة تقوم على عدم دعم قرارات منبثقة عن بلد واحد. ولكن الضغط من زعماء هذا الحزب أرغم الحكومة على إعادة النظر في موقفها. ميزانية السكك الحديدية كان ينظر إليها على نطاق واسع على أنها متوازنة، إذ تقضي بفرض زيادة صغيرة في أسعار تذاكر القطارات، ولكن مع إيلاء اهتمام أكبر لسلامة القطارات التي تعتبر موضوعاً أساسياً بالنسبة لشركة السكك الحديدية الهندية. غير أن المعارضة المنبثقة من داخل صفوف الحكومة لم تعترف بالجوانب الإيجابية لميزانية السكك الحديدية. وعلى الرغم من أن "مانموهان سينج" وافق على إقالة وزير السكك الحديدية، فإن ذلك قد يمثل على المدى الطويل بداية النهاية بالنسبة لتحالف حزب المؤتمر مع حزب "تيرينا مول". ومما لا شك فيه أن ثمة استياء متزايداً تجاه "مامتا بانارجي" التي أثبتت أنها غير مفيدة للتحالف من البداية. هذا ومن المتوقع أن تجلب هذه الأزمة الجديدة بعض التغييرات في الائتلاف الذي يقوده حزب "المؤتمر"، حيث يبدو أن زعماء الحزب ضاقوا ذرعاً بالطريقة التي تجعل بها "مامتا بانارجي" من الحكومة رهينة حول عدد من المواضيع، إذ تتصرف كحزب من المعارضة وليس كحليف في الحكومة. ولذلك، فإن جهوداً تبذل حالياً من أجل استمالة حزب "ساماجواي" المحلي الذي حقق نجاحاً كاسحاً في الانتخابات الأخيرة بولاية "أوتار براديش". والجدير بالذكر هنا أن "أخيليش ياداف"، 38 عاماً، ابن زعيم ذلك الحزب، نصب هذا الأسبوع في منصب كبير وزراء الولاية. وفي هذه الأثناء، ينتقل حزب "المؤتمر" ببطء نحو اعتماد تغيير في الحلفاء بعد أن أوضحت الخسائر الانتخابية التي مني بها الحزب مؤخراً بجلاء أنه إذا كان الحزب يرغب في فرصة للفوز في انتخابات 2014 العامة والعودة إلى السلطة، فيتعين عليه أن يبادر بترتيب بيته الداخلي. ولعل الجانب المشرق الوحيد بالنسبة لحزب "المؤتمر هو أن حزب المعارضة الرئيسي "بهارتيا جاناتا" ليس أفضل حالًا. ذلك أنه حصل على نتائج سيئة أيضاً في الانتخابات الأخيرة، كما أنه يواجه أزمة داخلية بسبب موضوع الزعامة. وإذا لم يحقق كلا الحزبين الوطنيين الرئيسيين نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية التي من المزمع إجراؤها في غضون عامين، فيمكن القول إن ائتلافاً متنوعاً من الأحزاب المحلية يمكن أن يصبح واقعاً على نحو متزايد.