لو أبعدنا لغة العاطفة عن المشهد السوري وهو ليس بالسهولة التي نلفظها، وطبقاً للسياسة التي يدير بها أي نظام شعبه وليس حزبه، لأن أي حزب حاكم لا يحكم نفسه فقط ولا حتى أتباعه أو المسجلين في قائمته أو ناخبيه، لأنه في النهاية هناك في أية ديمقراطية أناس أو أفراد من الشعب لا ينتمون لأي حزب سواء كان في الصدارة أو في المؤخرة، ومع ذلك فإن مسؤولية الحزب الذي يتحول مع الأيام إلى نظام حكم أن يعامل كل أفراد الشعب إن كانوا من المنتمين أو لم يكونوا على قدر المساواة القانونية والمبادئ الإنسانية المعروفة وفقاً للمنظومة العالمية للحكم الرشيد، بعيداً عن أي أيديولوجية تكبل عقول وأعناق أفراد الشعب عنوة. ونظام حزب البعث الحاكم في سوريا إن أراد الحفاظ على النسيج الحقيقي للشعب، عليه استدراك أمره ليس بممارسة القتل الأمني لكل متحرك وساكن، بل باحتواء الأزمة سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، قبل أن تدار المعركة بنفس طائفية بغيضة تتحول مع الأيام إلى حرب أهلية لم تكن مطروحة أصلاً حتى في الخيالات المريضة قبل اندلاع الأزمة الراهنة. إن اختزال سوريا في طائفة بعينها أو حزب واحد ورئيس أوحد، يفاقم من حدة الأزمة ويلقي على عاتقها حمولات تعقّد وتصعِّب البدائل السياسية من حلها أو حتى إخراجها من وضعها الحالي. بعيداً عن سيناريوهات التدخل الخارجي، حتى في إطارها الإنساني المرفوض إلى الساعة من قبل النظام ذاته، فإن تطويق الأزمة داخليّاً وحصارها بالطائرات والدبابات والصواريخ لم ينهها، وحتى وإن أخمدها فإلى حين، وهذه الحالة أخطر من التدخل الخارجي المؤقت للحالة الظرفية التي يمر بها الشعب الذي يفترض إنقاذه من ذات النظام. إن لجوء النظام إلى الحل الأمني والعسكري كخيار وحيد للتعامل مع المحتجين، يعطي مبرراً جاهزاً لاستدعاء الخارج بكل ما يملك من أدوات قانونية وسياسية وإعلامية، حتى إن لم يصل المجتمع الدولي إلى قرار صارم للتدخل العسكري المباشر كما حدث في "كوسوفو"، وهو أحد الاحتمالات المطروحة أميركيّاً على أقل تقدير إذا لم تتراجع موسكو والصين عن موقفهما في دعم النظام في سوريا مهما ساهمتا مفاقمة الأوضاع في الميدان الدامي. إن النظام الحاكم عندما يصل به الوضع إلى هذه الحالة من السيلان السياسي بحيث ترتفع لديه لغة "التآمر" العربي والغربي على حد سواء، واتهام المحتجين بـ"الإرهاب" وغيرها من المصطلحات التي يصعب تركيبها في مفاصل المجتمع السوري المتعدد الأطياف منذ تاريخه الحضاري، فإن تاريخه السياسي أيضاً يختزل في عقود "حزب البعث" الحاكم، بحيث يتم فصل سوريا عن ماضيها التليد وهذا الوضع لا يمكن التعامل معه وفق المنظومة الأمنية والعسكرية التي ستركن سوريا كلها في زاوية الراهن وبما يعزلها عن الماضي والمستقبل. هناك من يطرح أن الشعب وحده قادر على تحديد مصيره مع نظامه وذلك من باب عدم التدخل في شؤونه الداخلية، وهذا الأمر يصدق عندما تحدث أزمة أمنية وتنتهي في زمن قياسي وبأقل الخسائر المادية والبشرية، وذلك بشرط غياب عيون المليارات من الشهود الذين لا يمكن قتلهم كما فعل النظام السوري مع بعض الصحفيين في الأيام القليلة الماضية، أما وقد طفح كيل عام مضى ولم يصل النظام مع شعبه إلى حل وسط ينقذ سوريا الشعب من سوريا الحزب، فإن الشأن السوري لم يعد داخليّاً بل أصبح عالميّاً بامتياز، والأيام المقبلة دليل الإثبات أو النفي.