النساء الخمس اللواتي أريد الحديث عنهن يحاربن الفقر بطريقة جدية، ولكنهن لا يوزعن المساعدات والمعونات مع ذلك. ونحن نأمل أن نراهن، وقد قمن بتوسيع آفاق النموذج الذي يقدمنه هذا العام، ويحققن تأثيراً أكثر بكثير مما حققنه من قبل. أولهن: ليلى خلف. تدرك ليلى أن الشيء الذي يريده الفقراء حقاً هو الحصول على عمل، ودخل ثابت يكفي لمواجهة نفقات الطعام، والمدارس، والدواء. والشركات الأميركية التي تمارس صناعة الـ"تعهيد" Outsourcing أي التي تعهد بأداء أعمال معينة وخصوصاً في مجال التقنية والملعومات للدول الأكثر فقرا لم مقابل مال لم تعد تحظى بالشعبية التي كانت تحظى بها في السابق. بالنسبة لليلى جناح فإن كلمة" Microwork" التي تعني سلسلة من المهام الصغيرة المنبثقة من عمل أكبر والتي يمكن أن تستكمل فيما بعد عبر شبكة الانترنت ليست موازية تماماً لكلمة التعهيد. وقد قامت"جناح" بتأسيس شركة Samasource وهي عبارة عن مشروع اجتماعي يضطلع بالمهام البسيطة المستندة على استخدام الكمبيوتر من بعض الشركات مثل جوجل و"T"Intuit وغيرها من الشركات الكبرى وتحولها لوظائف لفقراء في دول مثل كينيا وهايتي والهند. وهذه الأعمال عبارة عن أعمال كانت ستتم بشكل سيىء بواسطة الأجهزة، أو لم تكن لتؤدى على الإطلاق علاوة على أنها لو أُديت فإنها كانت ستؤدى بأجور لاتكفي أي أميركي فقير، أو حتى متوسط أن يحيا حياة لائقة خمسة دولار في اليوم، في حين أن نفس هذا الأجر أو الأتعاب لو دفعت لفرد موهوب في هايتي أو الهند يبلغ دخله دولاراً أو دولارين في اليوم، فإنها لا شك تحدث فارقاً نحو الأفضل في حياته. وقد حصلت ليلى على منحة إضافية هذا العام فشاهدها وهي توسع نطاق مشروعهاSamasource هذا العام لتشاهد طريقة من الطرق الفعالة التي يمكن استخدامها لتقليص نطاق الفقر وإعادة التفكير في صناعة التعهيد من أجل استبدالها بصناعة أو أسلوب آخر أثبت فعاليته. انظر الموقع الإلكتروني Samasource website السيدة الثانية: هي إيثر دفلو Ether Duflo. هذه السيدة الفرنسية النحيلة المهووسة بالأرقام تبذل جهداً بحثياً ودراسياً خارقاً من أجل تقليص حدة الفقر على المستوى العالمي وهي مؤسسة ما يعرف بـ مختبر عبداللطيف جميل للعمل من أجل محاربة الفقر"، الذي يرمز إليه بالحروف( J-PAL)وهو أحد المراكز البحثية التابعة لمعهد ماساشوستس الشهير للتقنية الذي يقول إن حلول الفقر الوحيدة التي تستحق الاستمرار هي تلك التي تنجح، وأنه من غير الممكن معرفة الحلول التي تنجح من تلك التي تخفق إلا من خلال التجربة العملية. وأن الخيار الأمثل هو اللجوء إلى الحلول المبتكرة عندما يتبين لفريق"إيثر" من خلال التجربة أن الحلول التقليدية لم تعد تجدي نفعاً. انظروا الموقع الإلكتروني لـPoverty Action Lab website ومن النساء الأخريات اللواتي أسهمن في التخفيف من وطأة الفقر من خلال برامج اقتصادية هناك "جاكلين نوفوجراتز" التي أطلقت مؤسستها "أكيومان فاند" منذ أكثر من عقد، وإذا كانت المؤسسة قد تمكنت من الاستمرار رغم الظروف الاقتصادية الصعبة وأجواء الأزمة المخيمة على العالم، فذلك راجع أساساً للطريقة المبتكرة التي تتبعها في الاستثمار، فبدلاً من الجري وراء الكسب السريع والأرباح الطائلة التي عادة ما تغري باقي المستثمرين، فضلت "جاكلين" الاستثمار في المشاريع ذات العائد البسيط والمستمر الذي يستفيد منه الفقراء، وتقوم مؤسستها التي تهتم بتمويل المشاريع باختيار رجال الأعمال المبتدئين الذين يتعاملون مع الفقراء ليس كمتلقين سلبيين للمساعدات الموسمية، بل كعملاء لهم كامل الأهلية في اختيار ما يناسبهم، وتركز مؤسستها أيضاً على خلق وظائف مهما كانت صغيرة لمساعدة المعوزين ليس فقط على كسب قوتهم، بل أيضاً على اكتساب مهارات جديدة، ومن أجل هذا الغرض استثمرت المؤسسة أكثر من 2.5 مليون دولار في المشاريع الصغيرة، ومن بين تلك المشروعات التي تستهدف الفقراء، بالأخص في أفريقيا، هناك أنظمة سقي الأراضي بتقنيات جديدة تمكن المزارع من رفع الإنتاج من جهة واستمراره على مدار السنة، وترشيد استهلاك الموارد المائية الشحيحة أصلاً من جهة أخرى، وقامت المؤسسة في هذا الإطار بإنتاج أكثر من 350 نظاماً جديداً للري، محدثة بذلك المزيد من الوظائف ومساهمة في تحسين دخل المزارعين، وترى "جاكلين" من خلال تجربتها أنه إذا كان للمؤسسات الأخرى أن تساعد في تمويل مشاريع ذات قيمة اجتماعية حتى لو كانت متواضعة، فإنه لا بد من التحلي بالصبر وعدم استعجال النتائج. أما السيدة "جابي زيدلماير" فقد سلكت طريقاً آخر من موقعها كمديرة للعمليات الاجتماعية في شركة التكنولوجية الشهيرة "إتش بي"، وهي تسعى إلى تجسيد المقولات الجديدة حول المسؤولية الاجتماعية للشركات التي اتخذت تسميات عديدة مثل الرأسمالية الجديدة، أو الاستثمار الاجتماعي، أو غيرها من خلال محاولاتها الدؤوبة لردم الهوية الرقمية في العالم بين الأغنياء والفقراء عبر تمويل المشاريع الصغيرة في عدد من الدول الأفريقية مثل نيجيريا والانفتاح أيضاً على الهند لاستغلال الموارد البشرية المهمة المتوافرة في مجال تكنولوجيا المعلومات، بل إن الذراع الاجتماعية للشركة التي تشرف عليها "زيدلماير" قامت بابتكار طريقة جديدة في تشخيص فيروز الإيدز بصورة مبكرة لدى الأطفال في كينيا وتوفير العلاجات الضرورية قبل استفحاله. وفي نموذج آخر للمسؤولية الاجتماعية للشركات الكبرى، تبرز "شينور خوجا" المرأة الأفغانية التي ترأس الفرع الاجتماعي في أكبر شركة اتصالات بأفغانستان، "روشان"، التي استطاعت في فترة وجيزة من تأسيسها في بناء شبكة واسعة من وكالات صرف الأموال في بلد لا يتوافر على أكثر من 34 آلة للصرف. وهكذا وبفضل جهودها، أصبح بمقدور الموظفين الأفغان سواء في سلك الشرطة، أو الجيش، أو باقي الوظائف الحكومية الأخرى تسلم رواتبهم الشهرية من خلال تحويلات تنقل مباشرتهم إلى حساباتهم البنكية، بدلاً من تسلمها نقداً مع مايصاحب ذلك من غياب الشفافية واحتمال التلاعب. وبفضل فكرتها في تسهيل نقل الأموال داخل أفغانستان، استطاعت "خوجا" أيضاً تأسيس برامج تمويل المشاريع الصغيرة لفائدة المرأة من خلال القروض الميسرة الموجهة أساساً للسيدات الأفغانيات. كايلا سبرينجر كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"