الزيارة القصيرة التي قام بها نتنياهو"، الأسبوع الماضي، للولايات المتحدة، تضمنت لقاءً مع أوباما في البيت الأبيض، وإلقاء خطاب أمام المؤتمر السنوي لـ"لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية" (إيباك)، وهي جماعة ضغط يهودية قوية موالية لإسرائيل. وفي اجتماع البيت الأبيض، ركز أوباما ونتنياهو على إيران، وعلى بحث ما إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل متفقتين في موقفيهما بخصوص الطرق التي يتعين بها المواجهة بشأن الموضوع النووي الإيراني. الرهان في هذا الشأن هو أنه على الرغم من وجود إمكانية قوية لإقدام إسرائيل على مهاجمة إيران في الشهور القادمة، فإن أوباما نجح على ما يبدو في إقناع نتنياهو بضرورة منح العقوبات الاقتصادية والضغوط الدبلوماسية فرصة كي تقوم بدورها، وتحقق تأثيرها. وسبب تزايد الثقة في إمكانية تجنب حرب مع إيران، هو أن الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية معاً لا تعتقدان أن تلك الدولة قد عبرت بشكل حاسم العتبة النووية، ويريان أن الجوانب السلبية لقصفها ضخمة للغاية، خصوصاً إذا ما أُخذت في الحسبان الأوضاع السائدة في مختلف أرجاء العالم العربي، وتقلبات السوق النفطية العالمية. وأوباما يعارض بشدة خيار اللجوء لاستخدام القوة في هذا الوقت، بيد أنه يدرك جيداً في الآن ذاته أنه سيكون في وضع حرج للغاية، إذا ما مضت إسرائيل قدماً في خططها الرامية لضرب إيران، على الرغم من الرغبة الأميركية. وفي مثل هذه الظروف سوف يلجأ الجمهوريون، بل والعديد من الديمقراطيين في الكونجرس، للضغط على أوباما لحثه على دعم إسرائيل، وإن كانت الآراء سوف تنقسم بشأن ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة الانضمام لهذا الهجوم أم لا. والمأزق هنا هو أن إسرائيل لا تمتلك القدرة على إلحاق أضرار فادحة بإيران، وغاية ما يمكنها تحقيقه هو تعطيل برنامجها النووي لسنوات قليلة. والسؤال المهم في هذا الشأن هو: كيف ستستجيب إيران للهجوم الإسرائيلي؟ فلو أرادت طهران الرد على ذلك الهجوم بما يتجاوز مجرد هجوم صاروخي رمزي، فإنها ستضطر في هذه الحالة للاستعانة بـ"حزب الله" اللبناني لمهاجمة إسرائيل بترسانته الضخمة من الصواريخ والمدفعية. بيد أنه ليس واضحاً ما إذا كان الحزب سيستطيع القيام بتلك المهمة أم لا، بسبب العلاقة الحرجة التي تربطه بباقي القوى اللبنانية. وما يمكن لإيران بالقطع القيام به في حالة وقوع هجوم عليها، هو شن هجوم على القوات الأميركية الموجودة في المنطقة، وتهديد مسارات النفط في الخليج. والمشكلة بالنسبة لإيران هي أن أي عمل انتقامي ضد القوات الأميركية، أو إمدادات النفط سوف يؤدي حتماً لرد قاس من جانب أوباما. وإذا ما أخذنا في الاعتبار القدرات العسكرية الرهيبة للولايات المتحدة، فإن إيران تدرك جيداً أنها سوف تكون عرضة لتلقي ضربات هائلة موجهة ضد تشكيلة هائلة من أهدافها تشمل موجوداتها العسكرية ومواقعها النووية. وهذا الرد المدمر من جانب الولايات المتحدة، يمكن أن يؤدي لإلحاق ضرر فادح باقتصادها المتعثر، وجيشها ومعداتها عتيقة الطراز، ويمكن بالتالي أن يهز استقرار، وبقاء النظام، خصوصاً إذا ما تواصلت الضربات العسكرية الأميركية على مدى عدة أسابيع. هذا السيناريو الذي لا يريد أحد من إدارة أوباما التفكير فيه، غير مستبعد. أما التداعيات التي ستترتب على أوباما شخصياً في هذا العام الانتخابي، فتنقسم بين تداعيات إيجابية وأخرى سلبية. ونظراً لأن أسعار النفط سوف ترتفع ارتفاعاً حاداً، فإن التعافي الاقتصادي الذي لاحت بشائره سوف يتعطل، وهو ما سيضر بحظوظ أوباما الانتخابية. ومن ناحية أخرى، في حالة ما إذا كان أوباما يرد على هجمات إيرانية ضد القوات الأميركية، فإن العديد من الأميركيين سيؤيدون قائدهم الأعلى، وهو ما سيعزز من فرص إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، لأن الجمهوريين لن يستطيعوا أن يعارضوا ما قام به. وبالنسبة لنتنياهو فسوف تكون الرهانات أخطر. فإذا ما قامت إسرائيل بضرب إيران، فإنه يمكن الافتراض في مثل هذه الحالة أن إيران سوف تكثف من جهودها للحصول على القنبلة، كما ستخطط للانتقام من المعتدي. أما إذا ما أجل نتنياهو الهجوم، وأُعيد انتخاب أوباما، فإن عليه أن يتوقع مواجهة رئيس أكثر صرامة بكثير في السابع من نوفمبر 2012 لأن أوباما في هذا الوقت سوف يكون لديه الحافز لاستئناف مبادراته التي وعد بها فيما سبق لحل القضية الفلسطينية. ويعتمد هذا التوقع على حقيقة لا تخفى على أحد، وهي أن أوباما ونتنياهو لا يكنان وداً لبعضهما البعض. والرئيس الأميركي الذي لا تشغله مسألة إعادة الانتخاب لفترة ثانية -لأنه سيكون قد انتخب بالفعل- سوف يتبنى بالتأكيد سياسات أكثر جذرية، خصوصاً في مجال الشؤون الخارجية التي تعتبر قدرة الكونجرس على التحكم فيها مقيدة إلى حد كبير. وهذا تحديداً هو ما يدعو البعض للاعتقاد بأن نتنياهو قد يعطي الأمر بالهجوم على إيران بصرف النظر عن نصيحة مؤسسته العسكرية، والشعب الإسرائيلي، والمعارضة القوية من جانب حليفه الحقيقي الوحيد والوثيق. يبقى بعد ذلك القول، إن نتنياهو يتمتع بقدر معقول من الشعبية، وباقتصاد إسرائيلي قوي، فضلاً عن أنه قوي سياسياً، لكنه يعرف في الآن ذاته أن شنه لهجوم على إيران سوف يعرض وضعه ومستقبله السياسي كله للخطر. وهذا تحديداً هو السبب في أن كل خبير وكل صحفي في المنطقة ينشط الآن لتقديم رأيه بشأن ما يمكن أن يدور في هذه اللحظة في ذهن نتنياهو... ذلك أن القرار الذي يمكن أن يتخذه، وقدرته على إقناع مجلس وزرائه بدعمه، سوف يكون لهما تأثير كبير على مستقبل دولة إسرائيل.