ما هي المشاكل التي يتوقع أن يواجهها العالم خلال السنوات العشر القادمة؟ وأين يقف العالم العربي من هذه المشاكل؟ وما هو دوره فيها، وفي مواجهتها؟ في الأساس يبدو أن الآمال التي انعقدت على العولمة قد تبددت الآن. فنظرية تحوّل العالم الكبير إلى قرية صغيرة لم تحل المشاكل الكبيرة. وقد حوّلت المشاكل الصغيرة إلى مشاكل كبيرة. وتتمثل مشاكل الكبار في الأزمة المالية- الاقتصادية التي تعصف بكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالأولى ترزح تحت عبء من الديون لا مثيل له في تاريخها، ولا في تاريخ أية دولة أخرى في العالم. والثانية تواجه خطر التفكك. ويواجه بعض أعضائها مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا خطر الإفلاس. ولعل أخطر ما تواجهه مجتمعات "الكبار" هو التلازم بين ظاهرتين سلبيتين؛ ظاهرة ارتفاع نسبة البطالة لدى الشباب القادرين على العمل، وظاهرة ارتفاع نسبة الشيخوخة في المجتمعات الغربية (الأميركية- الأوروبية). فالظاهرة الأولى تؤدي إلى تراجع الإنتاج، وتاليّاً إلى تراجع عائدات الدولة من الضرائب والرسوم، وتؤدي الظاهرة الثانية إلى زيادة أعباء الدولة في تغطية تعويضات المتقاعدين الذين توقفوا عن العمل والإنتاج. وهي تعويضات تشمل رواتب شهرية وضمانات صحية واجتماعية ترهق موازنة الدولة التي تعاني أصلاً من العجز. أما مشاكل "الصغار"، وخاصة في أفريقيا والشرق الأوسط، فتتمثل في تراجع حاد في فرص التنمية، وارتفاع حاد في نسبة الولادات. ويعاني الجيل الجديد من جراء افتقاره -بل حرمانه- من حقين طبيعيين. الأمر الأول، بل الحق الأول، هو اكتساب المهارة المهنية التي تؤهله للعمل والإنتاج. والثاني هو إقفال أبواب الهجرة في وجهه لأسباب عنصرية أو اجتماعية أو دينية. وما كان للهجرة من الدول النامية الفقيرة إلى الدول المتطورة الغنية أن تأخذ طابع المغامرة الانتحارية، لو كانت هناك سياسة تنموية تستقطب اليد العاملة في مواطنها وتوفر لأصحابها حياة كريمة. إن الدول الصناعية تحتاج إلى اليد العاملة الأجنبية، ولكنها توصد أبوابها في وجهها حرصاً منها على نسيجها الاجتماعي من أن تخالطه خيوط غريبة. وبالنتيجة فإن مستوى المعيشة في تراجع، سواء في الدول المتقدمة أو في الدول النامية. وهذا التراجع أدى إلى تراجع الثقة بقدرة الحكومات المحلية على المعالجة. إذ إنها تبدو عاجزة لا تعرف ماذا عليها أن تفعل. كما أدى إلى اهتزاز الثقة بالنظام الاقتصادي، حتى أن انعدام الثقة بدأ يضرب الأسس التي قام عليها نظام التقدم الاقتصادي العالمي من مؤسسات وتنظيمات وسياسات. وبات واضحاً أن القواعد التي اعتمدت في القرن العشرين قد لا تكون -أو هي لم تعد- صالحة الآن لاعتمادها في القرن الحادي والعشرين. فالتوازن بين مخاطر المغامرات الاقتصادية وبين المكاسب والإنجازات المحتملة لهذه المغامرات، لم يعد سليماً، أو أنه لم يعد صالحاً. إن العالم الجديد ليس شديد التداخل فقط، ولكنه شديد التعقيد أيضاً. فقد غيرت ثورة المعلومات والتواصل طرق إدارة العمليات الاقتصادية، كما غيرت أنماط وأسس العلاقات بين الأفراد والجماعات. وتكفي الإشارة إلى أن ثلث سكان العالم اليوم الذين يبلغ عددهم سبعة مليارات، يتواصلون عبر الإنترنت "أون لاين"، لإدراك حجم ونوعية هذا التغيير، ذلك أنه قبل عشر سنوات لا غير، لم يكن العدد يزيد على بضع مئات الآلاف فقط. والسؤال هنا هو: أين يقف العالم العربي من هذه المتغيرات التي تعيد صياغة عالم الغد؟ والغد يبدأ الآن؟ تشتغل مؤسسات للدراسات والأبحاث على مواكبة هذه التطورات وعلى إعداد تصورات للمستقبل المنظور لتكون في خدمة صاحب القرار في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك في روسيا الاتحادية والصين والهند والبرازيل وفي سواها من الدول الكبرى. ويتقاطر عدد من الدول الأخرى إلى "دافوس" في جبال الألب بسويسرا للمشاركة في اللقاءات التي تعقد هناك للاستنارة بما يطرح فيها -وعلى هامشها- من آراء حول هذه القضايا المستقبلية، ومن بينها دول عربية. إلا أن العمل الجماعي العربي على صعيد التفكير المشترك والتخطيط المشترك غائب تماماً. ففي "دافوس" تبلغ قيمة اشتراك المؤسسة الواحدة في اللقاء السنوي 71 ألف دولار. وتبلغ قيمة اشتراك وفد مؤلف من خمسة أعضاء 622 ألف دولار. وتضاف إلى ذلك بالطبع تكاليف السفر بالطائرات والإقامة في الفنادق ونفقات المطاعم. لقد بلغ عدد المشتركين في المؤتمر هذا العام 900 شخص وفدوا من كل أنحاء العالم، بينهم 40 رئيس دولة و90 وزيراً و20 مرجعية دينية مختلفة، و200 أكاديمي من مختلف الاختصاصات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وشارك الرؤساء والوزراء بصفة مدعوين (أي أنهم معفيون من رسوم الاشتراك)، إلا أنهم شاركوا في طرح المشاكل وفي رسم آفاق المستقبل وفي صياغة تصورات الحلول، الأمر الذي أعطى اللقاء أهمية كبيرة. لقد حققت مؤسسة "دافوس" في العام الماضي فقط أرباحاً بلغت 157 مليون دولار. إلا أنها أنفقت معظم هذه الأرباح على موظفيها الذين يبلغ عددهم 706 أشخاص نصفهم تقريباً دائمون ومتفرغون، غير أن الأرباح الأهم تكمن في الصفقات السياسية التي تعقد بين رجال الدولة من قادة ووزراء، وفي العقود الاقتصادية التي تبرم بين رجال المال والاقتصاد. وهو ما يفتقر إلى مثله العالم العربي، حيث التواصل السياسي على مستوى القيادات يكاد يكون محدوداً ومحصوراً جداً، فيما التجارة البينية العربية تقل عن عشر حجم المبادلات التجارية العربية مع العالم. وحيث عجزت جامعة الدول العربية ومؤسساتها، نجحت مؤسسة "دافوس" في مد جسور من التواصل والتبادل بين دول عربية من خلال المؤتمر الإقليمي الذي نظمته في منتجع البحر الميت في الأردن. فالمنظمة الدولية تنظم إلى جانب مؤتمر "دافوس"، مؤتمراً دوليّاً في الصين، إلى جانب أربعة مؤتمرات إقليمية أخرى تبلغ نفقاتها حوالي 60 مليون دولار. والمشاكل الاقتصادية في العالم العربي تعتبر من المشاكل البنيوية، ولذلك فإن معالجتها تحتاج إلى مقاربة مختلفة عن الأسلوب المعتمد حتى الآن. أي أسلوب المقاربة عن بُعْد وبحذر وشكّ. لقد أثبتت الوقائع أن المعالجات الثنائية بين الدول العربية لم تنجح. ولم تنجح بقدر كافٍ حتى المعالجات الإقليمية (المغاربية- الخليجية- النيلية- الشامية). وبعد مرور عقود على إفشال مشروع السوق العربية المشتركة، ألم تكفِ سلسلة التجارب المتعثرة لاستخلاص العبر ولإعادة بناء اقتصاد عربي متكامل يواجه متغيرات وتحديات القرن الحادي والعشرين؟