بداية لابد من التأكيد على أن طريقة حديث القرضاوي، خلال برنامجه التلفزيوني على قناة "الجزيزة"، تشير إلى أنه تعرض لعملية تحريض ضد الإمارات استمرت منذ زمن، إذ غلب ذلك على حديثه. ويبدو أن هناك أمراً شخصيّاً لدى القرضاوي يفسر لنا ما صدر عنه، فهو وجد لنفسه فرصة للانتقاد عندما مارست الدولة حقها السيادي في تنظيم دخوله ودخول غيره إلى الإمارات. وفي تقديري أن القرضاوي أراد عبر حديثه بهذه الطريقة، إثبات أن له ثقلاً مزعوماً، قد يؤدي إلى إقناع الآخرين بموقفه. لقد أثبت القرضاوي أنه يستقي معلوماته من مصدر واحد، وأنه لا يستمع لكل الأطراف، ولا يهمه معرفة الحقيقة، فمن الواضح للعيان أن لديه أحكاماً مسبقة وجاهزة، وقد ظهر ذلك من خلال حزمه في تعبيراته. لقد أراد القرضاوي التدخل في سياسة دولة الإمارات وتوقيت اتخاذ قراراتها وممارستها لسيادتها، وذلك عندما ربط منعه من دخول الإمارات بتداعيات أحداث 11 سبتمبر 2001. إن طرحه في برنامجه الذي تطرق خلاله إلى الإمارات، قد خالف أخلاق النصيحة وآداب الخطاب، دون مراعاة لمقام الدولة وشأنها العالي في كافة المحافل الدولية. أولاً، لا يألوا حكام الإمارات جهداً في خدمة شعبهم وأمتهم.. ولكن أن يستشهد القرضاوي بآيات القرآن كيفما شاء، فهذا خطأ في الاستدلال.. لقد أمر الله عز وجل في القرآن الكريم، موسى أن يخاطب فرعون بالقول اللين والموعظة الحسنة، فما بالكم بتوجيه الكلام لقادة يجمع القاصي والداني على تسامحهم وجودهم. كما أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم احترم الزعماء والملوك عندما كان يخاطبهم، فيكتب لهم إلى عظيم الروم مثلًا.. فأين القرضاوي من هذا؟ وهل هكذا تكون النصيحة؟ وإذا كان لدى القرضاوي ما يؤهله لإسداء النصيحة للآخرين، فيجب ألا ننسى انحيازه لجماعته التي خرجت من رحمها أفكار متطرفة. إن شيوخ الإمارات الذين تطرق إليهم القرضاوي في برنامجه التلفزيوني، يتعاملون مع الجميع بتواضع، ويتواصلون مع كل الناس إماراتيين ومقيمين، فكيف يصفهم بغير ذلك، مجافيّاً الحقيقة الماثلة للعيان؟ ومن قال للقرضاوي إن حكام الإمارات يتصرفون على أساس أنهم ليسوا بشراً، حاشى وكلا! فهم بشر يتحلون بقيم إنسانية نبيلة، ويمدون يد العون للجميع دون استثناء، بينما تسفكُ حركات إسلاموية -يعرفها القرضاوي- دماء المسلمين وتستنزف طاقاتهم، وتخوفهم بخطاب ديني يرهبون به الناس لتحقيق مصالحهم. أمر آخر، أو بالأحرى تساؤل يطرح نفسه، في معرض الحديث عن تجاوزات القرضاوي، مؤداه: هل قيام الإمارات بحماية أمنها، يعتبر خطأ يستوجب نصيحة؟ وأتساءل: من قال إن دولة الإمارات رمت أناساً في الطرقات؟ هل هكذا يفهم القرضاوي الأمر؟ هو يعلم أن ذلك لم يحدث، لكن يبدو أنه يريد قلب الحقائق بلسان الناصح. وإذا كان كلام القرضاوي يتعلق بنصرة السوريين، فإن الدولة بالفعل تقوم بواجباتها لحماية السوريين وغيرهم وليست بحاجة لطلب من أحد، ومجهوداتها في غوث المنكوبين والمشردين لا تحتاج إلى من يسردها. لقد أنكر القرضاوي كل الجهود التي قامت بها الإمارات لرفع الظلم عن السوريين ووقف المجازر بحقهم، فلسنا بحاجة لمن يذكرنا بواجباتنا التي نرعاها جيداً، والتي تنبع من قيمنا وسياستنا التي تواترت عبر عقود.. وهي ليست منة على أحد.. لقد ابتعد القرضاوي كثيراً عن أصول النصيحة وخطابها، عندما يتحدث عن سحب الجنسية، وهذا إجراء قانوني محض وفقاً لأحكام القانون، وللدولة الحق في ممارسة ما تراه مناسباً لضمان الاستقرار وتأكيد سيادة القانون. ــــــــــــــــــــــــ راشد الشامسي - باحث في شؤون التنظيمات الإسلامية