ما زال السؤال قائماً حول الدافع الرئيسي الذي دعا الحكومة الإسرائيلية إلى إصدار أوامرها للجيش باغتيال الأمين العام للجان المقاومة في عزة زهير القيسي، وبالتالي إشعال رد الفعل الفلسطيني الذي تمثل في إطلاق صواريخ أرض- أرض على الأراضي الإسرائيلية وما ترتب على ذلك من غارات انتقامية من الطائرات الإسرائيلية. هناك إجابتان محتملتان للسؤال، الأولى عسكرية تشير إلى أن منظومة الصواريخ المضادة للصواريخ التي جربتها إسرائيل للدفاع عن بئر السبع ضد الصواريخ الفلسطينية منذ عدة أشهر هي الدافع الرئيسي، ذلك أن صناعة التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية تعول على تحقيق عشرات المليارات من الدولارات خلال السنوات المقبلة نتيجة لتسويق وبيع هذه المنظومة لجيوش العالم، وبما أن تجربة استخدام هذه المنظومة في الدفاع عن بئر السبع قد أثبتت نجاحها بنسبة جيدة تراوحت بين 60 و 70 في المئة، في حين نجحت نسبة 30 إلى 40 في المئة من الصواريخ الفلسطينية في اختراق المنظومة والوصول إلى أهدافها، فإن جيوش العالم الراغبة في الشراء كانت في حاجة إلى تجربة ميدانية جديدة في صورة معركة فعلية للحكم على مدى التقدم الذي حققته عملية البحث والتطوير لأداء المنظومة. إن ما يرجح اهتمام الإسرائيليين بهذه المسألة التسويقية هو ذلك الحديث المتفاخر الذي ملأ أسماع الدنيا من جانب كافة مستويات القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل بالنجاح الأفضل الذي تم تحقيقه في التصدي للصواريخ الفلسطينية العديدة التي أطلقها الفلسطينيون انتقاماً لاغتيال القيسي. لقد تردد أن نسبة النجاح هذه المرة قد ارتفعت إلى نسبة 80 إلى 90 في المئة وهو ما يعني أن 10 إلى 20 في المئة فقط من الصواريخ الفلسطينية هي التي نجحت في الوصول إلى أهدافها. ويرى بعض مسوقي المنظومة أن هذه نسبة نجاح كبيرة تبشر بقدرة عمليات التطوير على الوصول إلى نسبة نجاح أكبر في غضون السنة الحالية، وهو ما يفتح الباب لتعاقدات بيع للمنظومة تحقق دخلاً ضخماً للاقتصاد الإسرائيلي. لو قبلنا هذا الدافع لعملية الاستفزاز الإسرائيلية للفلسطينيين ليطلقوا صواريخهم فإن سؤالاً سيترتب على هذا القبول يقول: هل نتوقع إذن بعد عدة شهور من الآن عملية استفزاز إسرائيلية جديدة للفلسطينيين بقصد إثبات أن المنظومة الدفاعية ضد الصواريخ التي يلقبها الإسرائيليون بالقبة الحديدية قد أصبحت أكثر دقة وقدرة، وبالتالي فهي تستحق أن تهرع جيوش العالم إلى اقتنائها وشرائها مهما كانت مكلفة. المعلن أن تكلفة إطلاق صاروخ واحد من هذه المنظومة تصل إلى مئة ألف دولار، وبالتالي لنا أن نتصور المبلغ الهائل الذي ستطلبه إسرائيل مقابل بيع وحدات هذه المنظومة. وثمة سؤال آخر أرجو ألا يعتبره القراء فرعيّاً يجب أن نطرحه وهو يقول: ترى هل يمكن للعقل الفلسطيني أن يحقق معجزة بتطوير ما في يده من صواريخ أو الحصول على صواريخ أرض- أرض أكثر تطوراً يمكن أن تلحق الفشل بمنظومة القبة الحديدية وتهدد الهالة التي رسمت حولها وحول قدرتها على حماية السماء وما تحتها من منشآت وسكان. وإذا كان هذا الدافع العسكري يبدو قويّاً ووارداً فإن الإجابة المحتملة الثانية للسؤال حول الدافع الرئيسي لاغتيال زهير تحمل طابعاً سياسيّاً، ذلك أن أحد المشاغل الرئيسية للسياسة الإسرائيلية منذ الإطاحة بنظام مبارك يتعلق بدرجة رسوخ معاهدة السلام مع مصر في ظل الوضع الجديد خصوصاً إذا ما تعرضت غزة إلى الهجوم. وفي تقديري أن الهجمات على غزة ستتيح للمحللين الإسرائيليين القول إن المعاهدة ما زالت على نفس درجة الرسوخ السابقة، فلقد تمثل رد الفعل المصري في أمرين، أولهما الوساطة من جانب سلطات الحكم للتوصل إلى تهدئة، وهو نفس ما كانت تقوم به من قبل، وثانيهما صدور بيان من مجلس الشعب الخاضع لغالبية إسلامية يطالب بطرد السفير الإسرائيلي من مصر واستدعاء السفير المصري من تل أبيب احتجاجاً على الممارسات والهجمات الوحشية الإسرائيلية على غزة وعلى الشعب الفلسطيني. وهو بيان يشابه ما كان يصدره البرلمان في العهد السابق وإن اتسم بتصعيد لفظي. ويمكننا القول إن الدافع الرئيسي لاغتيال القيسي يضرب عصفورين بحجر واحد، أحدهما عسكري خاص بالقبة الحديدية، والثاني سياسي خاص بالتأكد من رسوخ المعاهدة مع مصر.