حادثة الأحد "هدية لطالبان"...وواشنطن تشتري "حصان بيونج يانج" مرتين تقييم الاتفاق النووي بين واشنطن وبيونج يانج، وتداعيات مقتل 16 مدنياً أفغانياً يوم الأحد الماضي على يد جندي أميركي، وما أسفر عنه من سجالات تتعلق بتسريع الانسحاب ...موضوعات حضرت بقوة في الصحافة الأميركية هذا الأسبوع. خدعة "بيونج يانج" في افتتاحيتها ليوم أمس، وتحت عنوان "الولايات المتحدة تسقط ثانية في خدع كوريا الشمالية"، استنتجت "واشنطن بوست" أن سياسة إدارة أوباما تجاه أفغانستان التي مر عليها ثلاث سنوات يمكن اختصارها في عبارة واحدة، كان وزير الدفاع الأميركي السابق يقولها وهي: لا أريد أن أشترى نفس الحصان مرتين". ومغزى تلك المقولة إن الإدارة الأميركية لا ينبغي أن تخضع لتكتيكات بيونج يانج فهي تطرح تنازلات في برامجها النووية والصاروخية مقابل الحصول على وقود وسلع غذائية، لكنها لم توف بوعودها وتنسحب من التزاماتها. لكن لماذا قررت واشنطن "شراء الحصان ثانية"؟ ففي 29 فبراير أعلنت الإدارة الأميركية أن كوريا الشمالية وافقت على تجميد تجاربها الصاروخية وعمليات تخصيب اليورانيوم والسماح للمفتشين الدوليين بالعودة إلى مجمع "يونجبون" النووي الخاص بإنتاج البلوتونيوم. في المقابل تعهدت الولايات المتحدة بشحن 240 ألف طن من الأغذية لكوريا الشمالية. وزيرة الخارجية الأميركية لم تذهب بعيداً في وصفها للاتفاق، قائلة: إنه خطوة بسيطة في الاتجاه الصحيح. وبعض المسؤولين الأميركيين قالوا إن الاتفاق سيسمح للمفتشين بإلقاء نظرة أولى على منشأة تخصيب اليورانيوم في يونجبون، وفي غضون ذلك تختبر الولايات المتحدة ما إذا كان النظام الكوري الشمالي الجديد جاداً في إبرام مزيد من الاتفاقيات الخاصة بالتخلي عن أسلحته النووية. ويتضمن الاتفاق المشار إليه، الإعلان عن عدم وجود أية نية عدائية لدى الولايات المتحدة تجاه كوريا الشمالية، وأنه لن يتم تفتيش ترسانة هذا البلد من الأسلحة، وأن تخصيب اليورانيوم سيستمر في أماكن غير معلنة في "يونجبون". هذا الاتفاق- والكلام للصحيفة- سيضعف حكومة كوريا الجنوبية الحليفة لواشنطن، فالرئيس "لي ميونج باك" اتخذ موقفاً صارماً تجاه تقديم مساعدات لبيونج يانج، علماً بأن بلاده ستخوض خلال هذا العام انتخابات برلمانية ورئاسية. حادثة الأحد في افتتاحيتها لأول من أمس الاثنين، وتحت عنوان "دروس من حادثة إطلاق النار في أفغانستان"، استنتجت "كريستيان ساينس مونيتور" أن ضلوع جندي أميركي يوم الأحد الماضي في حادث إطلاق نار أودى بحياة 16مدنياً أفغانياً، يلفت الانتباه إلى أن "البنتاجون" ينبغي أن ترصد وتدرب عناصرها التي تعمل في ساحات المعارك، وفق اعتبارات ومعايير أخلاقية. الصحيفة تقول إن ذلك ينطوي على مهمة ليست سهلة، خاصة في ظل اعتماد الجيش الأميركي على تقنيات متطورة، مثل الطائرات من دون طيار، والمتطوعين. البنتاجون لا تزال تطبق وتلتزم بالأعراف الدولية في التعامل مع المدنيين، والسبب يعود إلى رغبة إنسانية في حماية الأبرياء، تنامت خلال العقود الأخيرة، جراء نزاعات القرن العشرين التي وصل عدد ضحاياها- من المدنيين- 50 مليون نسمة. الصحيفة تطرقت إلى قواعد كثيرة حاكمة للجنود في أوقات الحرب، وضمن هذا الإطار، تأتي اتفاقية الأسلحة الكيمياوية المبرمة عام 1993، والتي تمت صياغتها لمساعدة الجيوش على التصرف مع المدنيين بطريقة أكثر إنسانية، وبالإضافة إلى ذلك شهد الرأي العام تغييرات تتعلق بحماية المدنيين إبان الحروب. وحسب الصحيفة، في البلدان الديمقراطية غالباً ما تتولد لدى الشعوب رغبة في نهاية سريعة للحرب، وهذا يشكل ضغوطاً على الجنود الذين يحاولون منع وقوع أضرار على المدنيين، وهو ما ينطبق على المشهد في العراق وأفغانستان وباكستان... ولكي يتم التأكد والاطمئنان من أن الجنود قد يتخذون قرارات صعبة وضرورية، لحماية المدنيين، ينبغي على "البنتاجون" توخي الدقة والحرص، عند تجنيد الشباب الأميركي، ويمكن التركيز على الخيارات الأخلاقية في ساحات الحرب، ومن ثم تدريسها وتعزيزها لدى الجنود. هدية لـ"طالبان" وفي عدد "واشنطن بوست" ليوم الاثنين، وحول الموضوع ذاته، وتحت عنوان "لننهي المهمة الأفغانية الآن"، استنتج "إيجوين روبنسون" أنه حتى قبل وقوع حادثة الأحد، ثمة سؤال يطرح نفسه، مؤداه: كيف يمكن نقل القوات الأميركية بسرعة على متن طائرات النقل الحربي وإعادتهم إلي وطنهم؟ لكن - والكلام لـ"روبنسون"- كيف يمكن إقناع الأفغان بعدما، ارتكب أحد الجنود الأميركيين مجزرة تشبه ما يقوم به مقاتلو "طالبان"؟ وكيف يصبح الجيش الأميركي أكثر أماناً بعد ما عُرف عنه أنه حرق نسخاً من القرآن وتسبب في قتل أطفال مسلمين أبرياء، وهم نائمون على فراشهم. "العريف" البالغ من العمر 38 عاماً، الذي قتل 16 مدنياً أفغانياً، ارتكب جريمته بمفرده، وبدم بارد أيضاً، فمن بين ضحاياه 9 أطفال، كما أنه جمع بعض الجثث وأشعل فيها النار. ويقول الكاتب: ثمة سؤال منطقي، مؤداه: كيف يتسنى لعريف المشي لمسافة طويلة خارج وحدته العسكرية، وارتكاب جريمته دون أن يستوقفه أحد، أو أن يلاحظه أحد ويمنعه من ارتكاب الجريمة.. وحسب الكاتب، فإن الجريمة التي تم ارتكابها في حق المدنيين جاءت هدية "علاقات عامة" لـ"طالبان" التي تنافس الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية على التأييد الشعبي. خلال الشهر الماضي تضررت صورة الولايات المتحدة عندما أحرق جنود في إحدى قواعد "الناتو" بأفغانستان نسخاً من المصحف الشريف، ما أضطر الرئيس الأميركي إلى الاعتذار، وبعد هذه الواقعة، التي أسفرت عن ردود فعل عنيفة من الأفغان، ظهر تساؤل منطقي مؤداه: هل ينبغي الإسراع في تنفيذ الجدول الزمني للانسحاب من أفغانستان؟ ويبدو أن حادثة الأحد توفر إجابة محددة على هذا التساؤل. الملفت أن "جورج ليتل" المتحدث باسم "البنتاجون" أخبر الصحفيين بأن بلاده لن تغير استراتيجيتها في أفغانستان، لكن الكاتب يرى عكس ذلك، مستنداً إلى أن استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة تعكس سأماً متنامياً تجاه الحرب في أفغانستان، حيث كشف استطلاع أجرته "واشنطن بوست" بالتعاون مع شبكة "إي. بي .سي" الإخبارية، أن 60 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن الحرب لا تستحق كل هذه الدماء والتضحيات، وأن 55 في المئة منهم يطالبون بسحب القوات الأميركية حتى قبل أن يستكمل الجيش الأفغاني تدريباته ويصبح بمقدوره الاعتماد على نفسه. هذا الاستطلاع أُجري قبل حادثة الأحد، فما بالنا بما ستؤول إليه النتائج لو كان المشاركون فيه أدلوا بآرائهم اليوم أي بعد وقوع جريمة قتل المدنيين الأفغان؟ مرحلة تناقص العوائد من جانبها، نشرت "نيويورك تايمز" يوم أمس تقريراً لـهيلين كوبر" و"إيريك شميت"، جاء تحت عنوان "المسؤولون الأميركيون يناقشون تسريع الانسحاب من أفغانستان". التقرير أشار إلى أن إدارة أوباما تناقش ما إذا كانت واشنطن ستخفض عدد قواتها في أفغانستان بمقدار 20 ألف جندي بحلول عام 2013، مما يعكس تنامي إدراك البيت الأبيض بأن المهمة الأفغانية دخلت مرحلة تناقص العوائد، أو تراجع المنفعة الحدية بلغة الاقتصاد. ويقول التقرير إن تسريع انسحاب القوات الأميركية سيصبح خلال الأسابيع المقبلة محل اهتمام كبار مسؤولي البيت الأبيض، لكن النقاش الدائر حول الموضوع يجري في سياق انتكاستين كبيرتين للجهود الأميركية في أفغانستان هما: مقتل مدنيين أفغان على يد جندي أميركي، والعنف الذي أججه حرق بعض الجنود نسخاً من المصحف الشريف. ينوه التقرير إلى أنه بعد غد سيناقش أوباما مهمة "الناتو" في أفغانستان مع رئيس الوزراء البريطاني، لكن مسؤولاً أوروبياً قال أول من أمس إن أميركا وشركاءها في الحلف لديهم مقاربة مفادها أن قوات الحلف ستترك أفغانستان ، لكن الغرب لن يتخلى عن هذا البلد. إعداد: طه حسيب