يتوقع البعض أننا على أبواب ارتطام شيعي سني يذكر بالحرب المذهبية التي دامت ثلاثين عاماً على الأرض الألمانية، بين البروتستانت والكاثوليك في القرن السابع عشر، وأخذت معها أرواح ستة ملايين ونصف المليون من سكان ألمانيا البالغ عددهم يومها عشرين مليوناً، بجانب ثمانين ألف قرية ومدينة، مما اضطر الكنيسة يومها، وبموجب قرار نورمبرغ، لإباحة تعدد الزوجات اقتداءً بسليمان الحكيم وزوجاته الكثيرات! المعركة القادمة في سوريا عالمية بامتياز، أسنانها روسية، وأضراسها صينية، ومخالبها إيرانية، وأسلحتها من كل صنف زوجان، ومزاجها من دخان. كانت الثورة الإيرانية معجزة حين غلب السيف الدم، وانتصرت بكلفة باهظة بلغت أكثر من ثمانين ألف متظاهر سلمي. وكان صمود "حزب الله" في جنوب لبنان عام 2006، مبهراً في أعين أنصاره حين خرجت إسرائيل من الجنوب تجر أقدام الخيبة ومعها قتلاها. خرجت بدون اتفاق وبدون قيد أو شرط. ثم أعلنت إيران وقوفها مع "حماس" في محنة 2008، كما أيدت الثورات في تونس ومصر واليمن، وأخيراً في ليبيا وهي تتذكر الفصل المأساوي من اختفاء موسى الصدر هناك. لكن إيران فلم تر من الثورة السورية غير التمرد والإرهاب! ليس هذا فقط، بل امتداد تحالف أصبح معروفاً من قم وعبدان إلى الناصرية والبقاع، في نصرة نظام شمولي بامتياز. لكن لماذا اتخذت إيران ومعها الامتداد عبر العراق حتى "حزب الله"، هذا الموقف من الثورة السورية؟ فلم تلتزم الصمت على الأقل، كما فعلت "حماس"، فيلتئم الشرخ الشيعي السني الذي هو بالأصل أكبر من خرافة حين تولد فكرته الأساسية من معركة صفين ويتم تتويجه بموقعة الجمل، قبل أن يتوقف التاريخ عند كربلاء لنشحنه في كل عام بنحيب وعويل لانهاية لهما. إنها مشكلة التوقف في خنادق الزمن التي يريد البعض المكوث فيها دون حراك! فهل نحن مع الحالة السورية الراهنة على أبواب حرب إقليمية بالفعل؟ إنها بالتأكيد حرب عالمية تدور الآن في الشام. مرحى للنظام السوري، لقد أرادها الثوار حركة لا طائفية، بدون عنف، ولا تدخل خارجي، لكن المراهقة السياسية ودرجات العنف القصوى من جانب النظام، دفعتهم إلى الانجرار نحو العنف والطائفية والتدخل الدولي. هل برهن النظام السوري أنه أذكى؟ هل كانت الثورة أغبى؟ أم اجتمع خبث الأذكياء مع سذاجة المغفلين؟ من العقل أن لا يبدأ الإنسان حرباً، وليس أسهل من إشعال الحرب، فإغضاب مائة شخص في مائة دقيقة عمل سهل للغاية، لكن إرضاءهم يحتاج أكثر من سنة. دخان بلاد الشام المتصاعد يقول إن "المجاهدين" من زاويا كثيرة قد يتدفقون إلى هناك، أمام مناظر المذابح في كل ركن من سوريا الحزينة. وبالمقابل سيتدفق مقاتلون من أصفهان وعبدان وقم ولبنان... ولنتذكر كوسوفو والبوسنة. من لا يستفيد من عِبَرِ التاريخ يدفع الفاتورة ومعها الفوائد المركبة. ونحن المسلمين، شيعة وسنة، نتجمد مع خرافاتنا في الزمن، ونكرر معركة صفين كل حين. لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب.