تثير تصريحات بعض رجال الدين الاستغراب والاستنكار خاصة عندما تصبح المزايدة على الدين وفق حسابات سياسية وليس لاعتبارات دينية، وقد فرضت تصريحات أحد رجالات تنظيم "الإخوان المسلمين" (القرضاوي) جدلًا ساخناً لم يهدأ، بعد أن تجرأ بالتعدي على سياسة حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة من على منبر إعلامي، وبأسلوب يمزج التهديد بالوعيد بعظائم الأمور في تدخل سافر في الشأن الداخلي الإماراتي، وتناغمت تصريحات "الإخوان المسلمين" في دول الخليج مع تصريحات (القرضاوي) ليكتمل المشهد بتهديد المتحدث الرسمي باسم جماعة "الإخوان" في مصر "محمود غزلان" بالتحرك ضد الإمارات على خلفية مطالبة القائد العام لشرطة دبي بإصدار مذكرة اعتقال للقرضاوي، قائلاً: "إذا حدث ذلك لن تتحرك جماعة الإخوان المسلمين فقط بل سيتحرك العالم الإسلامي كله ضد الإمارات". لقد فضح الحراك العربي المستمر منذ العام الماضي مواقف رجال الدين السياسية، فبدت أطروحاتهم السياسية مزدوجة في طرحها وفقاً لحساباتهم السياسية، وتصريحات القرضاوي الأخيرة قطرة من بحر التناقضات عندما يصبح الدين ورقة قابلة للتوظيف في اللعبة السياسية. ومن ناحية أخرى فما إن هدأت ضجة احتفالات "الصعود" الصاروخي لـ"الإخوان المسلمين" في مصر وتونس وليبيا والمغرب بدرجات مختلفة، حتى اعتقد رجالات التنظيم أن الساحة أصبحت مواتية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ومحاولة التأثير في الأحداث الدائرة تصعيداً وتأجيجاً ضد قرارات سيادية تمارسها الحكومات لاعتبارات ولحسابات حزبية خاصة. واليوم أصبح لزاماً على تنظيم "الإخوان" في السلطة الانتقال من خطاب المعارضة إلى واقع الخطاب السياسي والابتعاد عن ضجيج الخطاب الصبياني، فيحلل رجال دين تنظيم "الإخوان المسلمين" ويحرمون وفق أجندات سياسية وحزبية، ويوظف الخطاب الديني ويجيش خطب المنابر وفقاً للخطاب السياسي المبتغى، فيزج بالدين في خطاب مسيس يخدم أجندات سياسية ومصالح متغيرة، فالخطاب الديني يستند على خطاب سماوي يؤسس لقيم سامية كالحرية والعدالة والمساواة وغيرها بينما ترتبط السياسة بمصالح آنية متغيرة زماناً ومكاناً. وفي العقل الجمعي للمسلمين الإسلام دين ودنيا بمعنى تداخل الصلة بين السياسي والديني، ولكن عبر التاريخ الإسلامي وحتى الآن ظلت العلاقة بين السياسة والدين علاقة ملتبسة وظهر جليّاً استخدام الخطاب الديني خدمة للخطاب السياسي سواء كان خطاب نظام أو خطاب جماعات معارضة، فكان التجاذب بين الخطاب الديني والسياسي يصب في النهاية في مصلحة السياسي. وقد أثبت التاريخ المعاصر خطورة هذا الطرح ففي الثمانينيات تعالت المنابر بحيَّ على الجهاد في أفغانستان ضد الغزو الشيوعي، وكانت أفغانستان أرضاً للصراع بالوكالة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ولكن تم استدعاء المقدس الديني، الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال وبالدعاء خدمة للمصالح السياسية، وتلاشى الخطاب الديني مع انسحاب السوفييت ليبقى "الجهاد" فكرة انتقلت مع العائدين والمتأثرين بالجهاد الأفغاني للمجتمعات الخليجية والعربية لتفرخ فكراً متطرفاً كفر المجتمعات وما زالت العديد من الدول العربية تدفع ضريبة الجهاد الأفغاني بتيارات وحركات متطرفة كفرت مجتمعاتها واستهدفت شعوبها كـ"القاعدة" وأخواتها، وتلك خطورة المزج بين الديني والسياسي. وفي المحصلة، نقف اليوم أمام خطاب ديني مغرق في السياسة، يحلل ويحرم وفق أجندات حزبية، فخطاب تنظيم "الإخوان المسلمين" نحو دولة الإمارات يعكس أجندة التنظيم الخاصة للضغط عليها، ونقول لـ"الإخوان المسلمين" هناك حد فاصل بين ممارسة الحكم وبين شيطنات المعارضة وعلى "الإخوان" في مصر استيعاب الفرق قبل أن تنقاد مصر الدولة لمعارك تنظيم "الإخوان"، معارك تصب في مصلحة التنظيم لا مصر الدولة.