ليس هناك من استشعر أهمية الوحدة الخليجية مثل الكويتيين أيام محنة الاحتلال العراقي للكويت عام 1990، ففي شهور الاحتلال العجاف لم يكن مثل دول الخليج نصير بين دول العالم للحق الكويتي، صحيح أن دولاً شقيقة وصديقة وقفت مع الكويت مساندة لاسترداد حقها السليب، ولكن لم يكن بين تلك الدول من لم تكن له مصلحة اقتصادية أو استراتيجية أو نفطية سوى دول الخليج، فلقد كان الوقوف مع الكويت وقوفاً مع النفس، وكانت "الفزعة" الخليجية فزعة خالصة كمن انتصر لنفسه واسترد حقه، ولم نسمع من دول الخليج يوماً كلمة "منة" رغم شعور الكويتيين بالعرفان لكل من وقف معهم، وبالذات أهل الخليج منهم. كثيرة هي الدلائل التي تؤكد أنه لا مكان في عالم اليوم للدول الصغيرة، ومن نافل القول إن الرماح تأبى التكسر مجتمعة ويسهل كسرها آحاداً، والمرحلة تتطلب جدية في التنسيق الخليجي المشترك للوصول إلى الاتحاد الكونفدرالي، وهو ما طرحته القمة الخليجية السابقة وما أكد السير عليه مؤتمر وزراء الخارجية الأسبوع الماضي بالرياض. والكونفدرالية بتعريفها العام هي الاتحاد على مستوى الاقتصاد والسياسة الخارجية والدفاع، وإذا كان الأمر كذلك، فإن الكونفدرالية الخليجية قائمة منذ سنين طويلة، بل إن الأساس الذي قام عليه مجلس التعاون الخليجي هو العمل على توحيد الجهود والنظم الإدارية والسياسية والدفاعية والاقتصادية: فعلى الصعيد الاقتصادي تبنى مجلس التعاون الخليجي قرارات اقتصادية مهمة كان أوجها إعلان السوق الخليجية المشتركة في قمة الدوحة بديسمبر 2007، والتعرفة الجمركية المشتركة ومنع الازدواج الضريبي وحرية التملك للخليجيين وغيرها. صحيح أن كثيراً من هذه القرارات لا تزال تتعثر أمام البيروقراطية والتخلف وقوى الاحتكار بدول المجلس، ولكن القرارات تعكس توجهات نحو الوحدة الاقتصادية وتؤسس لسوق خليجية اقتصادية موحدة. وعلى صعيد السياسة الخارجية، وعلى رغم التباينات في بعض المواقف من قضايا عدة، إلا أن السياسة العامة لدول الخليج متقاربة بل وموحدة من قضايا عدة، وليس هناك أوضح من الموقف الخليجي المتماسك تجاه دعم دول الخليج للشعوب العربية في مواجهة الاستبداد، صحيح أن دول الخليج لا تبشر بنشر الديمقراطية التي تغيب في بعض أرجائها، ولكنها ساندت ولا تزال تساند معظم الثورات العربية في مواجهة البطش والقهر، وبقي موقف الدول الخليجية صامداً في مساندة الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الصعيد الدفاعي، أنشأ مجلس التعاون الخليجي جيشاً خليجيّاً مصغراً هو "درع الجزيرة" وهو نواة لما يمكن أن يتحول إلى جيش خليجي كبير، بإمكانه الدفاع عن السيادة الخليجية وحماية دول المنطقة دون الحاجة إلى الاعتماد على الأجنبي الذي لن يدافع إلا عن مصالحه وما يهمه الدفاع عنه، ولنا في المقارنة بين الوضع السوري وسابقه الليبي خير دليل، ولقد أبلى "درع الجزيرة" في حرب تحرير الكويت بلاءً حسناً، وقام بحماية المنشآت البحرينية من التخريب أثناء الأحداث المؤسفة التي مرت بها مملكة البحرين العام الماضي. إن الكونفدرالية الخليجية مطلب خليجي شعبي عام شريطة مصاحبته برقابة شعبية على شكل برلمان خليجي يمكن أن يكون رقيباً "ناصحاً" في بداياته، ولكن من شأنه توجيه السياسات والنصح بما يمكن أن يعزز التنسيق والوحدة الخليجية الكونفدرالية، وأن يوجه أصابع اللوم لقوى التخلف البيروقراطي ومراكز قوى المصالح والجشع. إن التطورات والمعطيات تمر سريعاً، ومنطقة الخليج العربي كانت وستبقى مطمعاً نفطيّاً واستراتيجيّاً مهمّاً، ولن "يحك جلدك مثل ظفرك"، وإعلان الكونفدرالية الخليجية هو تأكيد لما هو مؤكد وتعزيز لما هو قائم، وليس ابتداعاً لبدعة غير موجودة.