الموقف اليوم في السودان لا يبشر بخير، بل يدعو إلى القلق والخوف من أن تأتي الأيام المقبلة بشرٍ مستطير. والأزمة المستمرة بين حكومة "المؤتمر الوطني" وحكومة جنوب السودان توشك أن تتحول إلى حرب فعلية يزعم البشير أنها ردة فعل لعدوان جنوبي وقع من قبِل قوات "الحركة الشعبية". وكان الرد كما جاء في شكوى حكومة الجنوب إلى مجلس الأمن، بطائرات سلاح الجو السوداني التي دمرت بعض آبار البترول وخط نقل البترول، مما أدى إلى تلوث مياه الشرب ونزوح الأهالي. وتوغلت القوات المسلحة السودانية سبعين ميلاً داخل الأراضي الجنوبية، ولا تزال الحشود العسكرية والمدرعات والمدفعية تواصل تحركها واحتشادها، رداً على شكوى الجنوب من الدفع نحو الحرب الشاملة. ورغم دعوة أمين عام الأمم المتحدة الطرفين للحضور أول الشهر القادم والجلوس للتفاوض المباشر تحت إشرافه، أنعش بعض الأمل، إلا أن "تجارب" السودانيين المريرة مع حكومة "الإنقاذ" ونقضها للعهود والوعود وأجندتها الحقيقية التي دفعت "الجبهة القومية الإسلامية" للإنقضاض على النظام الديمقراطي، كل ذلك يدعو أهل السودان إلى القلق والتخوف مما ستأتي به الأيام. فنظام "الإنقاذ" لا يراعي عهداً ولا يحترم شعبه ولا يراعي المجتمع الدولي، وهو دائماً على استعداد لرفع واستعمال سيف السلطة الغاشمة وإشعال نيران الحرائق المدمرة، وسيلةً وغايةً للتمسك بالسلطة، وسيظل يشهر سيفه حتى في وجوه رفاقه الذين أوصلوه إلى "القصر" عند أول بادرة تمرد أو نصيحة صادقة يوجهونها له. ويبدو أن دعاة الحرب والمحرضين عليها لم يتعلموا بعد من دروس التاريخ المريرة ومآسيها التي ذاق عذابها الشعب السوداني، فالحرب التي أصبحت جزءاً من لغتهم، لم تنهِ ولن تنهي مشاكل السودان "الأمنية" والاقتصادية والأخلاقية. و"الحركة الشعبية" لم تعد تلك "الميليشيات" التي تقاتل في أحراش الجنوب، وإنما الجنوب أصبح اليوم دولةً عضواً في الأمم المتحدة، لها الحق القانوني الذي يكفله لها ميثاق المنظمة الدولية، كما لها أصدقاء وحلفاء ودول جوار قريب لن يسمحوا لنظام "الإنقاذ" باحتلال الجنوب مجدداً. إن المحرضين على الحرب ليسوا هم أصدقاء صادقون للنظام كله ولا للبشير شخصياً، ويخيل للمرء أحياناً كثيرة أنهم لا يعيشون في دنيانا وحياتنا هذه. فالوهم الذي يركبه نظام "الإنقاذ" كلما تعقدت أزماته الداخلية، يرجع به إلى "لعبة قديمة" هي استغلال المشاعر الدينية والسيادة الوطنية، لكن الشعوب، ومن بينها الشعب السوداني الذي اكتوى بنيران الشمولية المخادعة والكاذبة، تعلمت من تجاربها المريرة أن لا تنخدع مرة أخرى بالأباطيل المقدمة تحت شعارات الدين والسيادة الوطنية. وفي كلمة أخيرة ونصيحة صادقة لدعاة الحرب والمحرضين عليها، أقول إن التاريخ الذي يتحدثون عنه كثيراً، علمنا أن أول من سيكتوي بجحيم الحرب هم من يشعلون نيرانها.