يوماً بعد يوم يتصاعد التوتر بشأن الأزمة النووية الإيرانية تعكسه لغة التصعيد المستخدمة، ولاسيما في ظل التصريحات الأخيرة لبعض قادة إيران المهددة بضربة استباقية توجه للأعداء قبل تسديدهم الضربة الأولى، هذا في الوقت الذي أضحت فيه المناورات العسكرية المتكررة أكثر لفتاً للانتباه، ففي الأسبوع الماضي أجرت إيران تدريبات عسكرية تحت اسم "ثأر الله" شملت استخدام الصواريخ والطائرات المقاتلة والمدفعية المضادة للطائرات، هذا بالإضافة إلى مرور سفينتين عسكريتين إيرانيتين عبر قناة السويس وقد رستا في ميناء طرطوس السوري. وفي غضون ذلك شدد أوباما على الخط الرسمي لإدارته المتمثل في تفضيل واشنطن للحل الدبلوماسي مع احتفاظها بجميع الخيارات الأخرى مطروحة على الطاولة، وأنها مصممة على منع إيران من اكتساب القدرات النووية المستخدمة في الأغراض العسكرية. ولإضفاء المزيد من المصداقية على تلويح واشنطن باستخدام القوة ضد طهران صعدت أميركا من استعداداتها العسكرية، حيث صرح الأدميرال، مارك فوكس، قائد الأسطول الأميركي الخامس في الخليج أمام الصحفيين قائلًا: "لقد طورنا أسلحة دقيقة وفتاكة ذات فاعلية كبرى، ونحن مستعدون لجميع الاحتمالات". وفي الأسبوع الماضي أيضاً دخلت حاملة الطائرات الأميركية إبراهام لينكولن إلى مياه الخليج تصحبها سفن عسكرية فرنسية وبريطانية، مؤكدة على استعداد أميركا لشن هجمات جوية وبحرية على إيران في حال قررت ذلك، ولكن على رغم كل هذه التطورات من الصعب الاعتقاد بأن الولايات المتحدة على وشك ضرب إيران التي لا تشكل في الحقيقة أي تهديد على أمن أميركا، وحتى التهديدات التي تطلقها إيران بشأن احتمال شن هجوم استباقي لا تعدو كونها حرباً نفسية للضغط على قادة إسرائيل الذين يُعتقد أنهم يهيئون لهجوم على إيران. ولعل مما يؤكد استبعاد الحرب تصريحات أوباما الواضحة بأنه يفضل الحل الدبلوماسي للأزمة، هذا ناهيك عن خوض أوباما لحملة انتخابية تمنعه من التفكير في شن حرب على بلد يبعد بآلاف الأميال عن الولايات المتحدة، ولاسيما أن ذلك قد يهدد بتراجع أي رصيد سياسي جمعه أوباما بإنهائه الحرب في العراق وتقليص الانخراط الأميركي في أفغانستان كما وعد الرأي العام الأميركي، وهو ما سيذهب أدراج الرياح في حال شن حرباً جديدة، وسيكون عليه أيضاً تبرير لجوئه إلى الحرب، على رغم معارضة رأي القادة العسكريين والمؤسسة الاستخبارية في الولايات المتحدة بأن الهجوم على إيران، حتى بقيادة إسرائيلية، ليس فكرة جيدة. وقد رأينا كيف أن بوش نفسه رفض الانصياع لمطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها، إيهود أولمرت، بالموافقة على ضربة إسرائيلية ضد إيران. وبعدما انتقد أوباما إدارة سلفه لشنها حرباً اختيارية في العراق سيتعرض هو نفسه لانتقادات مماثلة إن قاد حرباً أخرى ضد إيران. والحقيقة أن أوباما أوضح منذ البداية للإسرائيليين أنه لا يريد لبلاده الانجرار في حرب بالمنطقة، بل أكثر من ذلك أخبر قائد هيئة الأركان المشتركة الجنرال الأميركي مارتن ديمبسي رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك بأنه في حال تصرفت إسرائيل بمفردها ضد إيران فعليها ألا تعول على مساعدة الولايات المتحدة. وحتى يشن أوباما حرباً جديدة في الشرق الأوسط عليه أن يقدم حججاً دامغة للمسلمين في جميع أنحاء العالم الذين حاول في بداية ولايته الرئاسية مد يد الصداقة إليهم عارضاً عليهم بناء علاقات جديدة تقوم على الاحترام والمصالح المشتركة. وأخيراً سيدخل أوباما التاريخ، في حال قرر ضرب إيران، كأول شخصية عالمية حاصلة على جائزة نوبل للسلام لا تأبه لذلك وتتنصل من التزام السلام. ومن جانبهم يدرك الإيرانيون أنه بالنظر إلى المواقف المتشددة لمرشحي الحزب الجمهوري في السباق الانتخابي الرئاسي بأميركا فإن من الأفضل لهم التوصل إلى اتفاق سلمي مع الإدارة الحالية، فأوباما هو الرجل الأمثل للدخول في مفاوضات معه والتوصل إلى تسوية، وهذا الإدراك الإيراني انعكس في الأسبوع الماضي في الرسالة التي وجهها الإيرانيون إلى الاتحاد الأوروبي وأعضاء مجلس الأمن الدولي يعلمونهم فيها باستعداد إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت ممكن. وإن كان الحماس الذي خلفه هذا التطور تراجع في ضوء تصريحات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن مهمة مفتشيها الأخيرة في إيران منيت بالفشل. ولكن في ضوء الانتخابات التشريعية القادمة في إيران ربما قدر القادة الإيرانيون أنه من المفيد إبداء بعض الحزم تجاه الغرب باعتباره الثمن الضروري الذي يدفع مقابل الموافقة على المشاركة في المفاوضات دون شروط مسبقة، أما فيما يتعلق بالرسائل الأميركية الموجهة إلى إيران فهي تتسم بالتضارب، فمن جهة صرح أوباما في حوار مع إحدى المحطات التلفزيونية أن الإسرائيليين لم يحسموا بعد طريقة تعاملهم مع الأزمة الإيرانية، ومن جهة أخرى قال وزير الدفاع، ليون بانتيا، إن هناك "احتمالاً كبيراً" لأن تشن إسرائيل هجوماً على إيران في الفترة بين شهري أبريل ويونيو من السنة الجارية. وقد تكون هذه التصريحات الأخيرة مجرد محاولة للضغط على إيران لإقناعها بالتوصل إلى حل سلمي للأزمة النووية تحت وقع التهديدات الإسرائيلية. وعموماً يسعى الغرب إلى استغلال فسحة الوقت التي تفصلنا عن شهر يوليو المقبل، تاريخ دخول حظر النفط والعقوبات الاقتصادية حيز التنفيذ، للتوصل إلى تسوية تبعد شبح الحرب، وهو الحل الذي سيكون في مصلحة الطرفين الولايات المتحدة وإيران.