رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في مصر، مجتبي أماني، قال مؤخراً إن بلاده مستعدة خلال أسبوع لتقديم مساعدات عاجلة لمصر. اللهفة الإيرانية لتحسين العلاقات مع مصر لها مبرراتها، خاصة في ظل ما تشير إليه الأوضاع السياسية في سوريا، حليفها الاستراتيجي في المنطقة. مصر لا تزال تقاوم تلك الدعوات الإيرانية المتكررة. قد يكون السبب أن الإرث السياسي المصري لا يتوافق مع سياسة إيران. وقد يكون أن مصر تتحسب لعلاقتها مع الدول الخليجية فهي "خط أحمر" حسب تصريحات سياسييها. والعلاقات بين مصر وإيران تتسم بالجمود منذ فترة، وقد حاولت إيران تحسينها خلال عهد "مبارك"، لكنها كانت تفشل في كل مرة. إيران تراهن على المرحلة الحالية في تحسينها، وتحاول الدخول لمصر من بوابة الاستثمار والسياحة لحل المشكلات التي يعانيها الاقتصاد المصري حالياً. لاشك أن إيران بدون سوريا ستفقد الكثير من الامتيازات السياسية والاستراتيجية في المنطقة العربية. وتخوف إيران من الضغط على سوريا منطقي، فهو يعني تفكيك التحالف السوري الإيراني، وفقدان منفذ مهم إلى الدول العربية. بل ستفقد "حزب الله" و"حماس"، وستكون ضغوطها وتهديداتها للعرب -بمناسبة وغيرها- بدون فاعلية وبلا معنى. إيران استشعرت ذلك وهي تعمل على التقليل من حجم الخسائر المتوقعة. خطاب "هنية" في الجامع الأزهر بمصر وتأييده للثورة السورية، أحد المؤشرات غير الحسنة لإيران. "مشعل" أشار بطريقة ضمنية في أكثر من موقف إلى عدم رضاه عن ما يقوم به نظام الأسد، بل بحث عن فتح مكتب إعلامي للحركة في الأردن. وأبو مرزوق أكد استياء إيران من موقف "حماس" وبالتالي سيقف الدعم المالي الإيراني. أي أن هناك تحركات سياسة استعداداً لمرحلة ما بعد نظام الأسد، حليف إيران. وفي المقابل، هناك صراع ومنافسة دولية وإقليمية من أجل استقطاب الدول غير المستقرة. فإيران بدأت البحث عن بديل استراتيجي آخر في المنطقة. السياسة لغة تعتمد على "البدائل". الكثيرون يعتقدون أن الفعل الداخلي لسوريا، بعد سقوط النظام، لن يرحب بإيران، لأن هناك اعتقاداً بأن لإيران دوراً فيما يقوم به النظام حالياً. مصر اليوم هي أفضل بديل لأن تحل محل سوريا في الاستراتيجية الإيرانية. هذا أبسط تفسير للتحرك الإيراني. والملفت أن هناك في الداخل المصري من ينادي بالتقارب مع إيران. بعضهم داخل دوائر صنع السياسة المصرية كمجلس الشعب المصري. وقد يدفع بهذه المساعي لأن تلقى قبولاً لدى الرأي العام المصري. الذي يحرك السياسات الخارجية في الدول العربية "الشارع السياسي". وكذلك وجود جماعات ضغط داخلية لديها ميول للقبول بإيران. الخوف أن تلعب إيران دور "المنقذ"، كما اعتادت في أكثر من موقع عربي. المطالب الداخلية في مصر بشأن التقارب مع إيران تخلت عن الحذر وارتفع صوتها عالياً. وهو ما يطرح فكرة استبدال مصر بسوريا. في السياسة الاحتمال وارد على الأقل من الناحية النظرية. فثمة حراك سياسي ضبابي يكاد يشمل كل شيء. معروف عن السياسة الإيرانية أنها تحول الصعوبات السياسية والاقتصادية للدول إلى فرص لها، فهل ستفعل ذلك مع مصر؟ ستتضح الصورة بعد الانتهاء من انتخابات الرئاسة واستقرار مصر. ما يحدث على الأرض العربية يستحق الانتباه، حتى لا نترك الفرصة كي تعيد طهران بناء تحالفاتها وسط الانشغال العربي بحالة الارتباك الإقليمي.