لماذا ذهب المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، إلى كل بقعة في هذا الوطن، يزور الناس فيها ويتفقد أحوالهم؟ لماذا لم يشغله الحكم ولا ارتباطات السياسة ولا ظروف إدارة الدولة عن هذا التقليد أو "السنّه" -كما يسميها أهلنا- والتي حافظ عليها طوال سيرة حياته؟ لماذا كان يزور الجميع، ويكرر زياراته لهم؟ لماذا كانت تشعره تلك الزيارات بالسعادة والرضا، كما يقول لنا عندما نشاهده ونسمع صدى كلماته وهو يوصينا بذلك كل ليلة من خلال الأرشيف التلفزيوني المصّور له رحمه الله؟ كان يمكنه أن يبرز في مجلسه العامر ويأتي إليه الناس، أو كان يمكنه أن يخرج اليهم في الأعياد، ويخاطبهم من خلال الإعلام كل فترة. لماذا كان يحرص على الالتقاء بهم، والتحدث إليهم مباشرة؟ جواب ذلك: لأنه قائد، وحاكم، وأب، أحب الناس، كل الناس، أحب مجتمعه وبلده، تواضع لهم فرفع الله شأنه بينهم، أخلص في العمل من أجل إسعادهم ومن أجل إعلاء قدر هذا الوطن بين الأمم، فأخلصوا له ومنحوه أعلى منازل الحب والولاء. أين هي البقعة التي لم يمش عليها زايد؟ وأين هو المكان الذي لم يصافح فيه أحد مواطنيه؟ وأين هي الأرض التي لم يعمّرها أو يزرع فيها مسكناً لمواطن أوعوداً أخضر يحرس ويحمي به هذه الأرض التي كانت صحراء؟ سيرة زايد في قربه ووصله لأهله الذين هم كل مجتمع الإمارات، سار عليها صاحب السمو رئيس الدولة وإخوانه الحكام وولي عهده، يقومون بها في أوقات ومناسبات مختلفة. واليوم في جولات الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في أعماق الوطن، تشعرك أصداء أحاديث الناس في المجتمع من الذين حضروا تلك اللقاءات بمدى فرحة "الشوّاب" والنساء العجائز بوصل سموه لهم. أيضاً حضور الجيل الجديد، وحرصه على التواجد خلال هذه الجولات، وشعور هؤلاء الشباب بالفخر والاعتزاز وهم يصافحونه فيبتسم لهم، ويسمع منهم ويناقشهم. وهذه نقطة مهمة يحرص عليها سموه كثيراً، فهؤلاء هم الحاضر وهم أيضاً قادة المستقبل، والمشروع الأضخم والأكثر أهمية في بناء الوطن. هذه الجولات تقضي حوائج الناس في جانب، لكنها أيضاً تشعرهم أن ولي الأمر بقربهم، وهذا هو الأهم. فهذه دولة بنيت على التواصل والألفة والرحمة والاحترام. تبدو رسالة طاهر بن الحسين لابنه عبد الله عندما ولاه المأمون حكم الرقة ومصر وما بينهما، واحدة من أهم الوصايا في إدارة الحكم وفي التعامل مع المجتمع، وكيفية التقرب إلى الله من خلال الإخلاص في بناء الدولة وقضاء حوائج الناس، وفلسفة معرفة النفس الإنسانية وكيفية الوصول إليها. في هذه الرسالة الطويلة والعميقة في معانيها، والتي ذكرها ابن خلدون في مقدمته، يقول طاهر الأب لابنه الوالي: "وأكثر الإذن للناس عليك وأرهم وجهك، وسكن لهم حواسك، واخفض لهم جناحك، وأظهر لهم بشرك، ولن لهم في المسألة والنطق، واعطف عليهم بجودك وفضلك. وإذا أعطيت فأعط بسماحة وطيب نفس والتماس للصنيعة والأجر من غير تكدير ولا امتنان، فإن العطية على ذلك تجارة مربحة إن شاء الله تعالى. واعتبر بما ترى من أمور الدنيا ومن مضى قبلك من أهل السلطان والرياسة في القرون الخالية والأمم البائدة". فكيف يا ترى انعكست سيرة قيادتنا في تعاملها مع الناس، والتي هي كتاب مفتوح للجميع، في النهج الإداري والاستراتيجي عند السلطات المختصة، والمعنية مباشرة باحتياجات المواطن؟ هل تأثروا بها؟ هل جعلوها ضمن معايير الجودة وحدودها كهدف ووسيلة للنجاح والتميز؟ كم وزيراً أغلق باب مكتبه، ولو ليوم واحد في الأسبوع أو الشهر، ونزل إلى الميدان يقابل الذين ينتظرونه، أو يبحثون عنه؟ كم مديرَ دائرةٍ محلية فعل ذلك؟ كم مسؤولاً يهمه أمر الناس، أو يشغله قضاء مصالحهم، فينزل من مكتبه العاجي ليقابلهم، ويسمع همومهم داخل أروقة قاعة المراجعين؟ نعم البعض فعل، ولكن كثيرين لم يفعلوا، ولا يعرفون الطريق الذي يوصلهم إلى الناس. كم عضواً بالمجلس الوطني ذهب إلى عمق وضواحي مدينته التي انتخبته، يسمع مطالب أهله، كما وعدهم في برنامجه الانتخابي؟ ثم، أين هو الإعلام من نبض المجتمع؟ ولماذا لا ينشغل بالتحقيقات الميدانية؟ ولماذا لا تكون جرعة الوطن وأهله أكبر في برامج قنواتنا الفضائية؟ ولماذا تقتصر هذه الرسالة على برامج البث المباشر في أصوات الإذاعة فقط؟ ماذا يريد المجتمع، ما هي الضروريات التي يبحث عنها اليوم؟ هل هي الاحتياجات ذاتها، أم أن مطالبه تغيرت؟ ماذا يشغله؟ وماذا يريد؟ وكيف ينظر للغد؟ ما هي المنغصات في نظره؟ وما الإيجابيات التي يرى كل شخص أنها تحققت له؟ وما دوره (المجتمع) كما يراه في المحافظة على الإيجابيات والمكاسب؟ وماذا عن دوره اتجاه وطنه؟ وكيف ينظر إليه؟ وكيف يحلم به؟ وكيف يمكنه أن يساهم في رفعته وحمايته؟ هذه أسئلة يفترض أن يجيب عليها المواطن، وعلينا أن نسمع الإجابة منه. القرب من الناس وتلمّس حاجاتهم هو أحد الوسائل المهمة لقياس مدى التقدم والنجاح في أداء مؤسسات الحكومة لأدوارها، وهو أسمى رسالة تميزنا ويمكن أن نفخر بها في عملية بناء الإنسان وتنمية الأوطان.