تعتبر لندن أكثر مدينة يتم التجسس عليها في العالم بفضل كاميرات المراقبة الكثيرة المنصوبة في كل مكان عبر شوارعها وأزقتها، وذلك بهدف الحد من الجريمة على ما يفترض. غير أن تقريراً جديداً يشير إلى أنه يكاد لا يكون ثمة فرق في معدلات الجريمة في لندن منذ أن تم تركيب تلك الكاميرات على نطاق واسع في منتصف الثمانينيات. النشطاء المدافعون عن الخصوصية يشعرون بالقلق من إمكانية أن تتحول بريطانيا إلى المجتمع الشمولي الكئيب الذي تحدث عنه الكاتب جورج أورويل في روايته الشهيرة 1984، حيث يتم التجسس على المواطنين وتتم التضحية بالحرية الشخصية مقابل دولة قوية حيث تقول" إيما كار" من منظمة "بيج براذر ووتش": "إننا نسير من دون وعي منا نحو مجتمع مراقبة حيث يتابعنا أشخاص مجهولون من غرف العمليات. والأمر المقلق أننا لا نعرف في الواقع عدد كاميرات المراقبة الموجودة في الشوارع". في التقرير الذي صدر هذا الأسبوع، كشفت منظمة الحقوق المدنية "بيج براذر ووتش" (وهي من المنظمات الضاغطة) أن المجالس المحلية أنفقت 515 مليون جنيه استرليني (نحو 807 ملايين دولار) على كاميرات جديدة خلال السنوات الأربع الماضية، أي ما يعادل 4121 ضابط شرطة. فقد أنفقت برمنجهام، التي تعتبر ثاني مدينة من حيث عدد السكان في إنجلترا، أكبر قدر من المال: 14?3 مليون جنيه استرليني (22 مليون دولار) خلال السنوات الأربع الماضية، متبوعة بويستمنستر بـ11?8 جنيه استرليني (18?5 مليون دولار)، ثم ليدز بـ8?7 مليون جنيه استرليني (13?6 مليون دولار). وتقدر منظمة "بيج براذر ووتش" أن ثمة نحو 51 ألف كاميرا تديرها الشرطة وتقوم بمراقبة المواطنين البريطانيين في المناطق الحضرية، من دون احتساب الكاميرات الخاصة أو الكاميرات الموجودة في مبان عامة أخرى مثل محطات القطار أو محطات الحافلات. الرقم المهم الذي أشير إليه ضمن التقرير هو ما مجموعه 4?2 مليون كاميرا عبر بريطانيا بناء على سجلات نشرت في 2002 من قبل الأكاديميين "مايكل ماكهيل" و"كليف نوريس"، وإن كان بحث أجرته شرطة تشيشر يجعل الرقم أقرب إلى 1?85 مليون كاميرا. ولكن "كار" تقول إنه في غياب تسجيلات وبحوث رسمية يستحيل تحديد العدد على وجه الدقة. وتقدر منظمة "ليبرتي"، التي تعنى بالحقوق الفردية أن المواطن اللندني العادي يصوَّر من قبل الكاميرات نحو 300 مرة في اليوم بينما تقول منظمة "بيج براذر ووتش" إن لدى بريطانيا 20 في المئة من كاميرات المراقبة الموجودة المستعملة في العالم رغم أنها تمثل 1 في المئة فقط من مجموع سكان العالم. ويقول نشطاء إن ثمة اعتقاداً بأن الكاميرات تحد من معدل الجريمة، والحال أنه لا يوجد دليل على ذلك حيث تقول كار: "لقد أعلنت شرطة ميت أن جريمة واحدة فقط في 2008 تم حلها مقابل كل 1000 كاميرا مراقبة". غير أن تشارلي ماسون، المتحدث باسم مجلس واندزوورث، الذي يغطي ضاحية بالهام الواقعة جنوب لندن، لا يتفق مع هذا الرأي إذ يقول: "إنها تساعد الشرطة بالفعل على حل الجرائم – ففي عام 2010، تمت إحالة 841 قضية في واندزوورث على المحاكم بفضل تسجيلات كاميرات المراقبة. ولكن الأمر لا يقتصر على الجريمة، ذلك أنها يمكن أن تستعمل من أجل (تخفيف) الازدحام المروري، أو بطرق أخرى مثل المرة التي ساعدت فيها على إنقاذ شخص من الغرق في التايمز بعد أن سقط في النهر. ولذلك، فنحن نعتقد أنه مال أنفق على نحو جيد". ويقول ماسون إن الكاميرات توجد فقط في المناطق الحضرية في الغالب، وحيث يطلبها السكان أو أصحاب المتاجر. سلطته المحلية لديها 1158 كاميرا مراقبة وقد أنفقت 4?7 مليون جنيه استرليني (7?4 مليون دولار) خلال السنوات الأربع الماضية مما جعلها في المرتبة الثامنة على قائمة أكبر المنفقين. ويقول: "إن معظم الكاميرات توجد في المناطق التجارية أو بالقرب من محطات المترو، فنحن لا نضعها في شوارع الضواحي السكنية مثلاً"، مضيفاً "إننا نحاول تحقيق توازن مع الحريات المدنية ولكننا في أحيان كثيرة نكتفي فقط بالاستجابة لما يريده الناس". والأكيد أن بعض السكان هنا لا يبدو أنهم يلاحظون أو يعبأون حيث تقول جاين تايلور، وهي من سكان الحي: "الواقع إنني لم أفكر فيها يوماً"، مضيفة "إنها تكاد تكون خفية وأعتقد أنه شيء جيد، وخاصة في الليل، أن تتذكر أن ثمة شخصاً ما يتولى مراقبة الأشياء". رأي تشاطره نادين شاه، الموظفة في أحد البنوك، إذ تقول: "إذا لم تكن تفعل شيئاً غير قانوني، فليس لديك شيء لتقلق عليه، أليس كذلك؟ إذا كانت الكاميرات تردع الجريمة وتساعد الشرطة، فلا أرى أنها تطرح مشكلة". غير أن المحلل "جونثان باورز" يقول إنه من بين الناس الذين يشعرون بالقلق، ويتساءل: "من الذي يراقبنا ولماذا؟ يقولون إنها تساعد على خفض الجريمة ولكنني لم ألاحظ أي انخفاض كبير في الجرائم منذ أن عشت في لندن. إنها قد تساعد على إحالة أشخاص إلى المحكمة ولكنها لا تحول دون وقوع الجرائم، وإلا، فما كنا لنشهد أعمال الشغب التي اندلعت العام الماضي أو تفجيرات مترو الأنفاق". ايان إيفانز – لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"