سواء فاز حاكم ولاية ماساشوسيتس السابق ميت رومني أم لم يفز بالمنافسات التمهيدية التي ستُجرى في ولايتي ميتشجان، وأريزونا، يوم الثلاثاء المقبل، فإن الأمر المؤكد هو أنه قد بات في مأزق حقيقي، وهذا شيء لا يغيب عن باله ولا عن بال الحزب الجمهوري، الذي يخوض تلك المنافسات من أجل الفوز بترشيحه للانتخابات الرئاسية القادمة. وخلال الشهر الماضي اتخذت المنافسات الجمهورية المتذبذبة منعطفاً آخر عندما أطلقت سيناتور بنسلفانيا السابق "ريك سانتورم" إلى الصدارة على حساب رومني. وفي إحدى الليالي منذ أسبوعين أعلن عن فوز "سانتورم" بثلاث ولايات (كلورادو، ومينيسوتا، وميسوري) وهو ما منحه ظهوراً إعلاميّاً مكثفاً بقدر كان كافيّاً لزيادة نسبة المؤيدين له في استطلاعات الرأي، وللتقدم على رومني في معظم الاستطلاعات التي أجريت على مستوى الولايات المتحدة بأسرها. وقد شعر من "استهانوا بقوة الجميع باستثناء رومني" بدهشة كبيرة بسبب ذلك التحول اللافت في مجرى سباق الترشيح. وهذه الدهشة المدفوعة في هذه النقطة الزمنية من قبل الأيديولوجيين الحزبيين الأصوليين من أعضاء اليمين الديني، وناشطي حركة "حفل الشاي" هي المسؤولة عن ذلك الجنون الذي يسم السباق الرئاسي حاليّاً. وكنت قد قلت من قبل إن حركة "حفل الشاي" وأمثالها هم من أسهموا في إبعاد مرشحين جمهوريين أكثر تأهيلاً وتوافراً على أوراق اعتماد، عن خوض السباق، وترك الساحة خالية أمام شخصيات من أمثال "دونالد ترامب"، وعضوة الكونجرس "ميشيل باتشمان"، وحاكم تكساس "ريك بيري" وقطب "البيتزا" الشهير "هرمان كين". وفيما تلتف مؤسسة الحزب الجمهوري حول رومني في الوقت الراهن باعتباره "أفضل الخيارات السيئة" إلا أنها في السباق الحقيقي لم تتمكن من خطف قصب السبق لمرشحها المفضل حتى الآن. بل إن ما رأيناه هو أن الشخصيات التي تخوض السباق للفوز بترشيح الحزب ظلت تمارس لعبة القفز فوق الظهر المنحي التي يلعبها الأطفال، فيتقدم أحدهم السباق عدة أسابيع ثم يأتي دوره لينحني -تحت ثقل عوامل عدم كفاءته غالب- كي يتيح لآخر أن يقفز على ظهره، ويتقدم عليه، وهكذا دواليك. وفي الوقت الراهن قررت مؤسسة الحزب الجمهوري على ما يبدو تعزيز وضع رومني، وذلك من خلال مساعدته على: الفوز بتصويت غير رسمي أحيط باهتمام إعلامي كبير (عن طريق استطلاع رأي الحاضرين في تجمع انتخابي للمحافظين في واشنطن)، ومساعدته كذلك على الفوز في المجمع الانتخابي لولاية "مين" أعلنوا في نهايته أن رومني قد هزم عضو الكونجرس "رون بول" وعلى رغم أن هذين التصويتين غير مهمين لأنهما غير رسميين ولا يمنحان لصحابهما "مبرراً للتباهي" سوى ليوم واحد فقط، إلا أنهما أسهما على الأقل في التخفيف من سيل الهجوم المنصب من وسائل الإعلام على رومني، كما أنهما أظهرا من ناحية أخرى يأسه هو من ناحية، ومؤسسة الحزب الجمهوري من ناحية أخرى. وحركة "حفل الشاي" واليمين الديني يريدان مرشحاً يتسم بـ"النقاء الأيديولوجي" طبعاً (ولا يريان أن رومني يتوافر على هذا الشرط)! في حين أن قيادة الحزب تريد مرشحاً يستطيع أن يفوز ببطاقة الدخول إلى البيت الأبيض، ولا يؤدي للتأثير سلباً على حظوظ الحزب في السيطرة على مجلس الكونجرس (وهم لا يرون أن المرشحين الآخرين قادرون على تحقيق هذا الهدف). وهذا التناقض هو ما يسمح باستمرار الظاهرة التي أطلقت عليها ظاهرة "إحراج قتل الأخ" بالاستمرار. وهذه الظاهرة تجلت بأوضح صورها خلال المناظرة المتلفزة يوم الأربعاء الماضي عندما ركز المرشحون الجمهوريون هجماتهم الضارية على بعضهم بعضاً أكثر مما ركزوها على أوباما. وكديمقراطي كان يمكنني أن أشمت من هذا التدمير الذاتي الذي يمارسه الجمهوريون بحق أنفسهم، ولكنني كمواطن أميركي ومواطن عالمي فإن شيئاً مثل هذا يجعلني قلقاً أشد القلق. فظاهرة مثل هذه لا تؤدي إلى إضعاف المرشحين للرئاسة فحسب، ولكنها تؤدي أيضاً إلى تصعيد نبرة خطاب المرشحين، والاتجاه بها يميناً في الوقت نفسه في محاولة من كل مرشح لإظهار أنه أكثر محافظة ويمينية وأكثر التزاماً بصلب عقيدة الحزب بالتالي، وهو ما يمثل في رأيي خطراً على الأمة الأميركية برمتها. ففي الوقت الراهن نجد أن المرشحين الرئاسيين المحتملين عن الحزب الجمهوري قد حبسوا أنفسهم في نطاق طائفة من أكثر المواقف التي يمكن تخيلها من ناحية التعصب في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية، وفي السياسة الخارجية، وهو ما سيؤدي حتماً إلى تكريس أكثر الغرائز رجعية لدى الناخبين الجمهوريين. وهذه الظاهرة، مرة أخرى، هي التي أدت إلى ظهور جماعات مثل جماعة الـ"بيرثر" التي تشكك في المكان الذي ولد فيه أوباما وتلك التي تشكك في أنه مسلم وليس مسيحيّاً كما يدعي، وأخرى التي ادعت أن أوباما يدعو إلى إنشاء لجان إعدام كجزء من خطته للرعاية الصحية. وهؤلاء هم الذين يريدون الآن أن يرسلوا الجنود الأميركيين مرة ثانية للعراق، ويريدون أن يشنوا حرباً على إيران، وينتقدون أوباما لأنه ألقى بإسرائيل تحت الحافلة. ولذلك فإنه مهما كانت النتيجة التي سيتمخض عنها استحقاق يوم الثلاثاء القادم، فإن المؤكد هو أن هذه المنافسة الممتدة ستستمر، وسوف يسيل فيها المزيد من الدماء، وتؤدي لخلق المزيد من الأحقاد داخل صفوف الحزب الجمهوري.