لا أتذكّر أين قرأتُ هذه العبارة "الإنسان يجب أن يكون سيد الحياة". وهي بلا شك عبارة صحيحة المضمون من وجهة نظري، كون الإنسان وحده هو القادر على توجيه بوصلة حياته للجهة التي يرغبها، وهو وحده القادر على مواجهة ضغوط حياته بإرادته القوية. في صغري كنتُ أهوى عدّ النجوم. أقف في حديقة بيتنا الصغيرة عند حلول المساء، وأرفع ناظري نحو السماء لأعدُّ النجوم المتلألئة في السماء، حتّى تتعب عيناي من ملاحقتها. وقتها لم أفهم معنى تصرفي، ولكن مظهر النجوم البديع الذي يفترش صفحة السماء، كان يجذبني على الدوام إليها. وعندما كبرت، أدركتُ بأن النجوم ليست فقط تلك التي تسطع في الأعالي، وأن هناك نجوماً من البشر يُضيئون مجتمعاتهم من خلال نجاحاتهم المدوية. هل النجوميّة سهلة؟! هل كل من قرر أن يكون نجماً لامعاً في سماء مجتمعه، بإمكانه تحقيق ذلك ما بين يوم وليلة؟! هل يجب حقّاً على المرء أن يكون سيد حياته حتّى يتحكّم في انفعالاتها المتناقضة، وبالتالي يستطيع قيادة عربة حياته بأمان حتّى يصل إلى محطته الأخيرة؟! هل النجومية سلاح ذو حدين كون أضواء الشهرة لا بد أن تلفح حرارتها أجساد أصحابها؟! قصة المغنية الأميركيّة الشهيرة (ويتني هيوستن) التي توفيت مؤخراً، أكبر دليل على أن النجم قد يفقد توازنه مهما كان يملك من شهرة واسم ذائع الصيت. وقد كانت "هيوستن" بلا منازع نجمة الثمانينيات والتسعينيات، وباعت ما يُقارب 170 مليون نسخة من ألبوماتها في العالم، وحصلت على ست جوائز (غرامي). هذه النجمة التي تركت وراءها إرثاً غنائيّاً جميلاً، عثرت عليها الشرطة ميتة في مغطس الحمام داخل غرفتها بالفندق، الذي كانت تعيش فيه. ولكنها كانت قد ماتت فنيّاً منذ عدة سنوات، وخسرت قوة صوتها وتدنّى مستوى أدائها، بسبب إدمانها على المخدرات وتعرضها لاضطرابات نفسية نتيجة فشل زواجها من المغني (بوبي براون) بعد زواج استمر أربعة عشر عاماً. هل يدفع النجم الساطع أثماناً باهظة نتيجة تربعه على عرش النجوميّة؟! هل صحيح أن أضواء الشهرة هي أول من تقتل صاحبها نتيجة محاصرتها له من كافة الاتجاهات؟! هل خوف النجم من أفول اسمه، يدفعه إلى الهرب من واقعه؟! لقد عادت بي الذاكرة قليلاً إلى الوراء، وتذكرت النهايات المأساوية لنجوم ملأوا الدنيا صخباً وضجيجاً مثل (ألفيس بريسلي، مايكل جاكسون، وأخيراً ويتني هيوستن). جميعهم خبا نجمهم بسنوات قبل وفاتهم. فهل كان الموت طوق نجاة لهم لتخليصهم من فاجعة انصراف معجبيهم عنهم وتدنّي أسهم فنّهم؟! "هيوستن" النجمة السمراء، كانت حياتها ونهايتها مأساوية!! ويُقال بأن المسؤول الأول عن انحدار "هيوستن"، يعود إلى زوجها السابق مغني الراب (بوبي براون) الذي علّمها تعاطي المخدرات، وعانت منه الأمرين بسبب غيرته الشديدة منها لضآلة شهرته أمامها، وضعفه أمام شهرتها العالمية، مما جعله يتعمّد خيانتها مع نساء أخريات ليعوّض هذا النقص! الحزن، الفراغ، الوحدة، أسلحة فتّاكة يواجهها النجم حين ينفضُّ الجميع من حوله، وقد تجرّعتها "هيوستن" بعد طلاقها من زوجها، وخذلان صديقها الجديد هو الآخر لها بعد تعلقه بمغنية شابة صاعدة، لتكون ضربة ثانية قاسية عليها. قصة تراجيدية تحدث كل يوم في عالم البشر. كلنا يعلم بأن النجوم جميلة، مع هذا ما أن يطلع عليها النهار حتّى تتوارى خوفاً من أشعة الشمس. لكن نجوم الأرض يحكمها قانون إلهي يرى بأن القمم لا بد أن تسقط نتيجة عوامل التعرية المصاحبة للحياة! مع هذا جميعنا نتساءل بفضولنا الإنساني: لماذا ذهبت تلك النجوم؟!