شهدت الكويت في يناير 2012 انعقاد الملتقى الإعلامي الكويتي - العراقي، الذي حضر افتتاحه وزيرا الإعلام والخارجية من الجانب الكويتي، وكذلك سفير الكويت في بغداد والسفير العراقي في الكويت، إلى جانب الإعلاميين من البلدين. وقد شارك في اللقاء فعاليات إعلامية وثقافية من الطرفين، بمن فيهم وزير الثقافة العراقي السابق مفيد الجزائري. هل العراق الجديد مفهوم في الكويت بعد كل هذه السنوات التي قاربت العشر، منذ سقوط النظام السابق؟ لا أعتقد، هل هو سياسياً نظام ديمقراطي منفتح متوازن؟ هل استطاع اقتصادياً أن يضع أسس التخفيف من الاعتماد على دخل النفط بتشجيع الصناعة والزراعة والاستثمار؟ هل نجح إعلامياً وثقافياً في الحد من نفوذ قوى التشدد والجمود والإسلام السياسي والتعصب الطائفي؟ هل يفهم النظام الجديد في العراق مكانة هذه الدولة عربياً وخليجياً، ومذهبياً كقوة لا يستهان بها في دعم مرجعية النجف على حساب مرجعية "قم" مثلاً؟ وأين يرى العراق الجديد نفسه في الشد والجذب وتوازن النفوذ بين إيران ودول مجلس التعاون مثلاً؟ هذه بعض الأسئلة التي تدور في الأذهان! ثم كيف ينظر العراق الجديد ومؤسساته الإعلامية من صحافة وتلفاز.. إلى الكويت وإعلامه؟ وهل يمكن حل المشاكل العالقة وتحسين الأجواء وخلق حالة التقارب المطلوبة رغم مشاكل من قبيل إنشاء ميناء مبارك والتعويضات المالية الضخمة الناجمة عن كارثة 1990 وتوتر الحدود بين حين وآخر؟ هل درس مسؤولو العراق الجديد تجارب البلدين، وبخاصة مخاوف الجانب الكويتي، التي ما أن تهدأ حتى تثار من جديد؟ وأخيراً، هل درس الكويتيون بعمق العراق الجديد سياسياً واقتصادياً؟ وهل بحثوا الإمكانات الاستثمارية والتجارية وغيرها؟ لا شك أن في بعض هذه الأسئلة تجاهلاً ظالماً لما عاناه العراق منذ عام 2003 ولا يزال، وبخاصة جرائم القتل الإرهابية التي تسلطت على النظام الجديد بقسوة، وعلى الشعب العراقي بمختلف طوائفه دون رحمة، وسط تصفيق وتهليل أكثر من بلد عربي وأكثر من كاتب وإعلامي، لما اعتبر صموداً ومقاومة ورفضاً للتدخل الأميركي! كما أن التشوهات المؤلمة التي تركها النظام القديم على الجسد السياسي والاقتصادي والخدماتي، وفي نفوس الناس والشباب والنساء، أكبر بلا شك من قدرة النظام الحالي على معالجتها بهذه السرعة، وبخاصة في ظل انقسامات العراق والاختلافات المعروفة فيه. ولكن العراقيين والكويتيين، رغم كل جوانب الخبرة المؤلمة، هم اليوم أمام تحديات الحاضر والمستقبل وحقائق الجغرافيا والجوار الراهنة، حيث يمكن للبلدين والشعبين الاستفادة على نطاق واسع من إمكانات كل جانب. لا يبدو البلدان أنهما اليوم في نفس مواقع 1991 بعد طرد قوات النظام المعتدي، وربما حتى في ظروف عام 2003 عندما تم إسقاط ذلك النظام بفضل التسهيلات اللوجستية والعسكرية والسياسية التي قدمتها الكويت قبل عدة أشهر من حملة إسقاط النظام، عندما تكدست آلاف القطع العسكرية الأميركية والبريطانية وأعداد هائلة من الجنود شمالي الكويت، وبعد أن رفضت حتى تركيا، تقديم مثل هذا التسهيل للقوات الأميركية. وكم هو مؤذ لمشاعر الكويتيين أن يسمعوا من بعض العراقيين، وبخاصة أنصار النظام السابق وأيتامه، أن الكويت سعت لتخريب العراق بهذه التسهيلات! فلا بأس أن يردد مثل هذا الكلام بعض الكتاب والإعلاميين العرب ممن لم تكن يدهم بالنار ولم يذوقوا سنوات حكم صدام المعجونة بالدم والعذاب والاستبداد، أما أن يتنكر أي عراقي لهذا الدور الكويتي التاريخي، وما تلاه من مواقف إنسانية تجاه سكان جنوب العراق بالذات، فأمر مؤلم غير مفهوم. ومن المؤسف أن العلاقات بين البلدين وقعت ضحية عناصر وعوامل داخلية وخارجية شوهت تطورها باتجاه مصالح الشعبين. إذ وقعت العراق بالذات، لأسباب سياسية ومذهبية واستراتيجية ضحية التوازنات الإقليمية بين إيران والدول العربية، وأدت النشاطات الإرهابية والطائفية فيها إلى عرقلة الديمقراطية والتحرر الاجتماعي والاستقرار، كما عمت إدراتها تجليات كثيرة من صور الفساد والإهمال التي تعج بها وسائل الإعلام العراقية نفسها، وتتواصل الشكوى منها. وهكذا تم "إغراق" النموذج الديمقراطي الذي كان سيهدد بعض الأوضاع في إيران وسوريا وبعض الدول الأخرى، إن كُتب له النجاح والازدهار! وعرفت الكويت من جانب آخر، على امتداد عشرين عاماً، ظروفاً سياسية واجتماعية لا تحسد عليها، فقد برزت فيها القبلية والطائفية والفساد، وتغيرت طبيعة البرلمان والانتخابات، وطُمست معالم مشروع بناء الدولة ومحاولات الاستفادة من دروس الاحتلال والتحرير، وبرزت قوى وتيارات غير متحمسة لتقوية العلاقات بين العراق والكويت. هذه بعض ملامح الواقع العراقي - الكويتي في هذه المرحلة التي حاول الإعلاميون من الطرفين تطوير علاقات البلدين ضمنها، الكاتب رشيد الخيون طالب بالجرأة في تناول القضايا وعدم الوقوع ضحية للأكاذيب الإعلامية، وبخاصة من يقول إن الزعيم العراقي الأسبق عبدالكريم قاسم كان قد أصدر أوامره باحتلال الكويت. الأستاذ عبدالكريم حمادي، مدير الأخبار بالتلفزيون العراقي تساءل: لماذا لا تدعو الكويت الإعلاميين العراقيين لحضور مناسباتها الثقافية؟ وأضاف بأن الحياة السياسية في العراق فيها بعض المؤزمين، ولا ينبغي للكويت أو العراق إفساح المجال لهؤلاء لأن يتسيدوا الإعلام أو يطغوا على النشاط الإعلامي. الأستاذ عبدالله بشارة، الكاتب والمحلل الكويتي، والشخصية المعروفة في هيئات مجلس التعاون، دعا إلى تنشيط العلاقة بين البلدين لأن هذه العلاقة من الحتميات، وحذر من "الثرثرة الإعلامية". وزير الإعلام الكويتي الأسبق، د. سعد بن طفلة، طالب بفسح المجال للجيل الكويتي الجديد والجيل العراقي الناشئ، لأن يتقابلا ويتعارفا، وبخاصة أنهما لم يعايشا ظروف أزمة 1990. ولابد من إشراك الشباب في مساعي بناء الثقة وروابط التفاهم الجديدة. د. شملان العيسى من قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت، حذر من "المزايدة الإعلامية"، عندما يجد كل كاتب وإعلامي في الكويت والعراق نفسه أمام تصريحات متطرفة ومواقف غير مسؤولة، فيضطر إلى إرضاء القراء والمشاهدين بالرد المنفعل والتهجم غير الموضوعي. الكاتب الصحفي ورجل الأعمال أحمد الصراف، نبه الحضور إلى ضرورة تعزيز العلاقة الاقتصادية بين البلدين، وإيجاد مشاريع مشتركة توثق الروابط بين شركات الجانبين، فالعواطف لا تدوم مثل النشاط الاقتصادي. إلى جانب كل هذه الآراء والمقترحات الوجيهة، يشعر كل من يعرف المجتمعين بقوة الروابط الاجتماعية والثقافية بينهما رغم مرارة التجربة السياسية. فكل مكونات الشعب الكويتي مثلاً لها جذور وعائلات من جنوب العراق، والثقافة العراقية شعراً وغناءً وكلمات وأمثال شعبية جزء مهم من الثقافة الكويتية والخليجية. وفي هذا المجال بالذات أبدى بعض المشاركين استغرابه من منع المواد الفنية العراقية في الكويت، كالأغاني والمسلسلات والبرامج الأخرى، رغم أن السماح لهذا الرابط الثقافي سيدعم الكثير من التوجهات الإيجابية بين البلدين ويشجع التقارب والتفاهم. واشتكى آخرون من قواعد إعطاء الفيزا لزيارة الكويت، والتي تعرقل اتساع الروابط وتواصل الناس والعائلات في البلدين. المؤسف في هذا المجال بالذات، أنه ما أن تهدأ الأوضاع وتتهيأ الأجواء حتى يصدر تصريح من بعض أطراف الصراع في العراق يهدد الكويت ويتهمها بهذا المخطط أو ذاك، ويطالب بالتشدد والتحقيق والضغط، وبذلك يتعكر الجو ويجد الكل نفسه في نقطة البداية! ومما يعقد هذه الأوضاع، التعدد المذهل اليوم في وسائل ومصادر الإعلام والمعلومات، وهي ليست جميعاً دقيقة أو حذرة أو حريصة على تقوية العلاقات وزرع الثقة. وقد تقوم الدنيا وتقعد بسبب صورة أو مقال أو خبر عن سلوك غير ودي، ويكون هذا بمثابة الحجر التي يلقيها مجنون في بئر، يعجز خمسون عاقلاً عن إخراجها! إن ترسيخ العلاقات الكويتية- العراقية، كما شعر الجميع، بحاجة ماسة إلى لجنة دائمة تضم الفعاليات الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية من العراق والكويت، ولا ينبغي نسيان النساء والشباب والقبائل في مثل هذا التشكيل! ولهذا وجه منظمو اللقاء إلى "مشروع المجلس الإعلامي الكويتي العراقي"، لتحقيق قوة منظمة "تدفع في اتجاه التعاون الإيجابي وإعادة بناء جسر الثقة بين البلدين الشقيقين". غير أن نجاح مثل هذا المجلس في اعتقادي، بحاجة إلى قرارات سياسية من البلدين، وتبني بعض المؤسسات والوزارات لها، وهو ما لن يتحقق في القريب المنظور للأسف، ولبعض الأسباب التي أشرنا إليها في ثنايا المقال. وقد طالب البيان الختامي للملتقى الإعلامي الكويتي العراقي الأول، والذي نشرته الصحافة الكويتية يوم 2012-1-23، بضرورة انعقاد مثل هذا الملتقى بصفة دورية كمجلس إعلامي مشترك، وإلى ضرورة إشراك الشباب وطلبة المعاهد وكليات الإعلام في اللبلدين، كما طالب الملتقى "بتجنب المواد الإعلامية والنصوص الخبرية التي تؤزم العلاقة بين البلدين الشقيقين، والتأكيد على حث المسؤولين وأصحاب القرار على المزيد من الحوار والسعي إلى حل المشاكل عن طريق الحوار". كما أوصى الملتقى بتشجيع الفعاليات الثقافية والاقتصادية، وبتوفير "قاعدة بيانات حقيقية وواضحة، بالإضافة إلى دعوة المسؤولين في البلدين لتسهيل السفر والتنقل بحرية للإعلاميين، وتشجيع التواصل بين منظمات المجتمع المدني".