د.ذِكرُ الرحمن يبدو أن باكستان تسير نحو فوضى سياسية حقيقية بالنظر إلى أن استئناف رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني ضد أمر قضائي بالمثول أمام المحكمة، بتهمة ازدراء القضاء، قوبل بالرفض من قبل هيئة المحكمة العليا وهي مؤلفة من ثمانية قضاة برئاسة كبير القضاة "افتخار محمد شودري" بعد يومين من المرافعات. وتتمثل التهمة الموجهة لرئيس الوزراء في تحدي أمر المحكمة العليا ورفض تقديم طلب للسلطات السويسرية بإعادة فتح قضايا فساد ضد الرئيس "آصف علي زرداري". وتتعلق هذه القضايا برشى قام الرئيس وزوجته رئيسة الوزراء السابقة "بينظير بوتو" على ما يفترض بغسيلها عبر بنوك سويسرية عندما كانت في السلطة. غير أن رئيس الوزراء جيلاني يجادل بأن آصف زرداري، الذي ينفي تهمة الفساد، يتمتع بالحصانة بصفته رئيساً لباكستان. في المحكمة العليا، نفى جيلاني التهم الموجهة إليه أيضاً. ومن المتوقع أن تبدأ المحاكمة الرسمية اعتباراً من الثامن والعشرين من فبراير الحالي بعد أن يقدم كل من ممثلي الادعاء العام ومحامي الدفاع دفوعاتهم. وفي حال أدانته المحكمة العليا بالتهم المنسوبة إليه، فإنه لن يكون أمامه خيار آخر غير التنحي عن منصبه. كما أنه قد يواجه إمكانية قضاء أشهر في السجن. غير أن القضية من المتوقع أن تستغرق بعض الوقت، مما يشل عملية صنع القرار في وقت تلقي فيه القضية بظلالها على رئيس وزراء البلاد. بالنسبة لباكستان، يمثل هذا التطور انتكاسة حقيقية على اعتبار أن جيلاني شغل منصب رئيس الوزراء لأطول مدة في تاريخ البلاد، كما يُنظر إليه باعتباره السياسي الذي استطاع التحدث مع مجموعات سياسية مختلفة والتقرب من الشعب الباكستاني. وفي حال أدين في هذه القضية، فإنه سيتعين على رئيس البلاد آصف علي زرداري أن يعين رئيس وزراء جديد محله. غير أن القضية ضد جيلاني لا يتوقع أن تنتهي بسرعة، ولذلك فإن حالة عدم اليقين السياسي في باكستان ستستمر وقتاً طويلاً لا محالة، وتعتبر تطوراً سيئاً بالنسبة للبلاد التي تقع أصلاً تحت وطأة عدد من المشاكل الداخلية والخارجية. فاقتصاد البلاد أخذ يتراجع خلال الآونة الأخيرة في وقت أثرت فيه كثيراً مشاكل الماء والكهرباء التي تعاني منها كل المدن الكبيرة على الصناعة والتجارة. وعلاوة على ذلك، هناك عودة للهجمات الإرهابية العنيفة في البلاد. والأكيد أن حكومة منشغلة بهموم أخرى وغير قادرة على اتخاذ أي قرار ليست هي ما تحتاجه باكستان في هذه المرحلة. ورغم أن الحكومة من غير المرجح أن تسقط بسبب التطورات الأخيرة في المحكمة العليا على اعتبار أن آصف زرداري يستطيع تعيين أي شخص آخر كرئيس للوزراء، إلا أن فقدان جيلاني سيمثل حرجاً حقيقياً لحزب الشعب الباكستاني الحاكم. كما يتوقع أن يؤثر على زرداري لأنه يمكن أن يؤدي إلى إعادة فتح قضايا فساد قديمة ضده. ولكن جيلاني، في الوقت الراهن، هو الذي يوجد أمام خطر فوري. كان جيلاني قد انتُخب بالإجماع كرئيس للوزراء من قبل البرلمان الباكستاني الذي يتمتع فيه حزب الشعب الباكستاني وشركاؤه في التحالف أغلبية كبيرة جداً حيث كان يُنظر إليه كعامل استقرار في الحياة السياسية الباكستانية. "جيلاني" أيضاً كان يعتبر "حلّال المشاكل" بالنسبة للحكومة. ويُعتقد على نطاق واسع أنه إذا كان قد نجح في البقاء في منصبه لوقت طويل، فلأنه كان حريصاً على عدم معاداة الجيش الباكستاني القوي. ولكن ذلك كان قبل العام الماضي عندما انتقد الجيشَ صراحة متهماً إياه والمحسوبين عليه بالتحرك على نحو غير دستوري في تحقيق تجريه المحكمة العليا بشأن مذكرة غير موقعة تطلب من الإدارة الأميركية المساعدة من أجل السيطرة على الجيش الباكستاني. مذكرة زادت من حدة التوتر بين الحكومة والجيش الباكستاني الذي لديه تاريخ طويل من الانقلابات. وإضافة إلى ذلك، فإن التوتر زاد بين الحكومة والقضاء أيضاً. بيد أن هذه التطورات تعتبر سيئة أيضاً بالنسبة للهند التي مازالت تؤكد على أنها ترغب في باكستان مستقرة على حدودها. ففي نهاية المطاف يلاحظ المرء أن أي تقدم كان يتم تحقيقه على الجبهة الهندية- الباكستانية، كان يتحقق خلال حكم الحكومات المدنية هناك. وبعد أيام على شروع المحكمة في النظر في قضية ازدراء القضاء ضد رئيس الوزراء الباكستاني، كان وزير التجارة الهندي "أناند شارما" في باكستان برفقة وفد تجاري كبير في إطار زيارة تستمر ثلاثة أيام. زيارة مثلت خطوة مهمة نحو استعادة الثقة وإعادة العلاقات إلى سكتها. وكانت باكستان والهند قد اتفقتا العام الماضي على تعزيز العلاقات التجارية بينهما وتركيز الجهود على مضاعفة حجم التجارة البينية حتى يصل إلى 6 مليارات دولار سنوياً في غضون ثلاثة أعوام. والهدف هو التقدم إلى الأمام بخصوص الأشياء الصغيرة والحفاظ على استمرار الحوار بين البلدين. والجدير بالذكر هنا أن الهند وباكستان كانتا استأنفتا محادثات السلام الرسمية العام الماضي بعد أن كانت العملية برمتها قد شلت بسبب هجمات مومباي التي أبحر خلالها إرهابيون من مدينة كراتشي الباكستانية ونفذوا مذبحة في حق مدنيين أبرياء في مومباي. غير أنه بالنظر إلى وجود الحكومة المدنية في حالة من عدم اليقين حالياً، فإنه يتوقع ألا يتم اتخاذ القرارات بسرعة، كما يتوقع ألا تتقدم الأمور إلى الأمام بسرعة على الجبهة الهندية- الباكستانية، وذلك لأن أي زعزعة للاستقرار على الجانب الآخر من الحدود يعتبر أمراً غير جيد بالنسبة للهند أيضاً. والواقع أن نيودلهي لطالما اعتبرت أن عدم استقرار باكستان يعني المتاعب بالنسبة للهند أيضاً. غير أنه بالنظر إلى الطريقة التي تجري بها الأمور حالياً في ذلك البلد، فيمكن القول إن شبه القارة الهندية تنتظرها أيام عاصفة في المقبل من الأيام.