التزمت معظم شركات الطيران في العالم بضريبة الكربون في الأجواء التي فرضها الاتحاد الأوروبي من جانب واحد على شركات الطيران المستخدمة والعابرة للأجواء الأوروبية ابتداء من أول يناير الماضي 2012، حيث رفضت العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية والهند والصين والمملكة العربية السعودية هذه الضريبة، إلا أن الحكومة الصينية وحدها طلبت من شركاتها عدم الالتزام بهذه الضريبة، مبررة ذلك بالتصرف الأحادي الجانب الذي تم خارج نطاق الاتفاق داخل الاتحاد الدولي للنقل الجوي " الأياتا". والغريب أن الاتحاد الأوروبي التزم الصمت على غير عادته في مثل هذه الأمور، إذ لا زالت شركات الطيران الصينية تعبر الأجواء الأوروبية دون دفع هذه الضريبة، في الوقت الذي أخذت فيه ضريبة الطاقة أو ضريبة الكربون في الأجواء الأوروبية تثقل كاهل شركات الطيران الأخرى، بما فيها العربية التي أحالت هذا العبء الجديد إلى المسافرين من خلال إضافته على تذاكر السفر إلى القارة العجوز وما وراءها من بلدان في الأميركتين. ويفسر صمت الاتحاد الأوروبي بحاجته الماسة إلى المساعدة الصينية في مجالات أهم وأكثر حيوية، حيث يحاول الاتحاد الأوروبي إقناعها بالمساهمة في مساعدة منطقة "اليورو" على الخروج من الأزمة الطاحنة التي تتعرض لها في الوقت الحاضر، حيث أعربت الصين مؤخراً عن استعدادها لمساعدة البلدان الأوروبية التي ترتبط معها بعلاقات اقتصادية وتجارية وثيقة. والواقع أن أوروبا تبحث عن الأموال بشتى الطرق، فقبل هذه الضريبة التي فرضت بحجة التلوث، رفعت البلدان الأوروبية في الأعوام الثلاثة الماضية بصورة كبيرة رسوم إصدار التأشيرات التي ارتفعت بالنسبة للتأشيرة البريطانية وحدها ثلاثة أضعاف دون مبررات موضوعية. ويشبه هذا التوجه إلى حد بعيد وضع حصالة كبيرة على طول القارة الأوروبية، تلزم كل مسافر حتى إذا لم ينزل في أحد بلدان الاتحاد الأوروبي، وإنما هو مجرد عابر في طريقه إلى وجهات أخرى، أن يضع مبلغاً يتراوح ما بين 4-5 دولارات في الحصالة الأوروبية. ويتوقع أن تجمع أوروبا مبلغاً يتراوح ما بين 3-4 مليارات دولار من ضريبة كربون الأجواء، وهو مبلغ كبير تعتبر أوروبا في أمس الحاجة إليه للمساهمة في حل أزمتها المالية وأزمة قروضها المستفحلة، مما يعني أن هذا الأمر لا يتعلق بموضوع البيئة وحمايتها من التلوث، كما يدعي الاتحاد الأوروبي. ولو كان الأمر كذلك لسعت أوروبا التي تتزعم وتحدد الكثير من التشريعات العالمية إلى التعاون من الاتحاد الدولي للنقل الجوي، ولحاولت استصدار قرار دولي بفرض هذه الضريبة في كافة البلدان، فموضوع البيئة لا يخص قارة بعينها، وإنما هو قضية تخص الإنسانية والتنمية المستدامة في كافة البلدان الغنية منها والفقيرة، وخصوصاً أن هناك محاولات للاتفاق حول هذه الضريبة في نطاق المنظمات الدولية. والسؤال المهم المطروح هو إلى أي مدى ستستمر الصين في التغريد خارج نطاق الضريبة الأوروبية؟ هل سينتهي ذلك مع انتهاء أزمة ديون الاتحاد الأوروبي؟ أم أن الصين ستجر معها بلداناً أخرى، بما في ذلك بلدان أوروبية، كروسيا للوقوف في وجه ما تعتبره تصرفاً أوروبيّاً يرمي إلى تحميل الشعوب وشركات الطيران في العالم جزءاً من الأعباء المالية الناجمة عن أزمات خلقها الأوروبيون أنفسهم ولا دخل للآخرين في وجودها. والوقائع تشير إلى أنه ستكون هناك عملية شد وجذب ستحكمها المصالح بصورة أساسية، بل إنها قد تخضع للمساومات بين أكثر من طرف، أما استمرار استثناء الصين من الضريبة الأوروبية وتحليق طائراتها بكل حرية في أجوائها، فإنه أمر غير مقبول ويحمل الكثير من الغبن لشركات الطيران الأخرى، كما أنه يمس مصداقية الاتحاد الأوروبي ذاته الذي عادة ما يشير دائماً إلى حرية الأسواق والمنافسة العادلة.