أخذت تصريحات وزيرة النِّساء العِراقيات (وزيرة شؤون المرأة) عبر وسائل الإعلام، بشأن بنات جنسها، حيزاً كبيراً، وجدلاً طويلاً. ففي تصريح لها عبرت عن اعتقادها بقوامة الرجل، وهو حسب ما تناقلته وسائل الإعلام، ولم تنفه الوزيرة: "أنا مع قوامة الرجال، وأرفض مبدأ المساواة بين الجنسين... وأنا كوزيرة لا أزال عند مغادرتي الدار أو الذهاب إلى أي مكان أخبر زوجي" (عدة صحف). الأمر الآخر يتعلق بتحديد لباس الموظفات، وهذا ما نفته الوزيرة ورمته على "اللجنة العليا للنهوض بالمرأة" وهي رئيستها! في بيانها: "تحرص الوزارة على ضمان الحرية الشخصية وتدافع عنها، وترفض أي شكل من أشكال التضييق على النساء بمن فيهن الموظفات، وتؤمن بحرية وتعدد الرأي، والمعتقدات الدينية، وأن الجميع متساوون أمام القانون بغض النظر عن الجنس واللون والعِرق والدين" (موقع الوزارة)، وهذا ما يكذبه طلبها في التحكم بألبسة النساء. جاء في رسالة "وزيرة النساء"، ورئيسة لجنة النهوض بالمرأة إلى رئاسة الوزراء، الفقرة الخامسة منها: "توجيه تعميم إلى الوزارات كافة بضرورة التزام الموظفات بالزي المناسب للعمل الحكومي" (موقع وزارة شؤون المرأة). جاءت مفردة الحكومي تورية ليس إلا، فالمقصود هنا الزي الإسلامي الشرعي. ومعلوم كيف سيستغل رؤساء الدوائر هذا الإجراء، وكم يحاولون الإكثار من الثواب في تطبيق الشريعة، وكيف سيتعامل موظف الاستعلامات مع الموظفات بخشونة الولي على القاصرات! مع أنه بالشرعية نفسها تستغل النساء أيما استغلال عند طلب التوظيف أو الإعانات! يصعب فصل رأي الوزيرة الشخصي عن تسييرها لشؤون الوزارة، فهي لا تعني في تصريحها الأول إخبار الزوج عند الخروج من الدار، فهذا أمر لا يحتاج إلى إعلان إعلامي. ولا اعتقد أن رجلاً وامرأة علاقتهما سوية لا يخبر أحدهما الآخر متى يذهب ومتى يعود، وإلا تصبح الحياة خالية من عاطفة الحرص. لكن ما تقصده الوزيرة هو القوامة، فماذا تعمل الوزيرة لو منعها زوجها من الخروج لحضور اجتماع وزاري مثلاً، أو مقابلة أحد وكلائها؟! فهل تعتبر ذلك معصية في حالة خروجها بلا إذن (شرعي)؟! عندما قالت أنا مع القوامة يكون لزوجها رأي في قراراتها الوزارية، لأنه القائم على أمرها وعقلها. مِن حق الوزيرة أن تخضع لقوامة زوجها، لكنها في هذه الحال لا تصلح وزيرةً للنساء! فمعنى هذا أنها ستقود وزارتها باتجاه عقيدتها الدينية، وهي ببلد من المفروض أنه ديمقراطي، وهو الأول في كسر احتكار ولاية الوزارات للرجال، فكانت نزيهة الدُّليمي (ت 2006) أول وزيرة بالمنطقة، وببلد للمرأة فيه منذ الأربعينيات صولة في السياسة والثقافة، ومنذ عقد العشرينيات، جرت فيه معارك حول حجاب المرأة وتعليمها؟! فهل تريد الوزيرة سحق تلك العقود من تاريخ العراقيات وهي وزيرتهنَّ؟! إن للقوامةِ بُعدها الزمني وشرطها، لكن أهل التفسير والتأويل يعمدون إلى أخذ النصوص حرفياً، دون النَّظر إلى ما كشفه الأوائل، وفي مقدمتهم أبو حنيفة النعمان (ت 150 هـ)، وأعتقد أن مئات الألوف من نساء العراق يتبعن مذهبه، فكان: "لا ينكر تبدل الأحكام بتبدل الأزمان" (مصوبع، القضاء والتَّاريخ، مجلة العرفان 1909). ولأنه لا ينكر تبدل الأحكام أتاح فقهه جواز تولي المرأة منصب القضاء (الماوردي، الأحكام السُّلطانية)، وأرسى قواعدَ مناسبة للتعايش الدِّيني. وبعد الاطلاع على سيرة حياة الوزيرة ابتهال كاصد ياسر حسين الزَّيدي، المولودة العام 1965 سنجد أن دراساتها وثقافتها دينية قرآنية، لكنها مع ذلك لم تتوقف عند آية القوامة، وبماذا ارتبطت؟! جاء فيها: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" (النِّساء: 34). ومِن المعلوم أن القرآن نزل لمصالح العِباد، فالدُّكتورة ابتهال أصبحت وزيرة، تصرف على البيت مثلما يصرف زوجها أو تعدته، أو سافر بظلها في وفادة وزارية، فهي التي تنفق المال والمراكب تجهز لها، أي تحول الفضل لها. هل للفقهاء محاربة التَّشريعات القانونية لأنها لا تتضمن العقوبات التي جاءت في النُّصوص القرآنية؟! طبعاً لا، لأن مستجدات استجدت في الحياة. لكنهم عندما يصل الأمر إلى معاملة النِّساء يتعصبون ويجردون سيوف التكفير مثلما فعلوها مع الزعيم عبد الكريم قاسم (قُتل 1963)، لأنه أقر المساواة بين النساء والرجال في الإِرث، وحدد تعدد الزَّوجات (قانون 188 لعام 1959)، وهو أمر اجتهادي يدخل ضمن الحديث النَّبوي: "إِن كَانَ شَيئًا مِن أَمرِ دُنيَاكُم فَشَأنُكُم بِهِ" (الكتب السِّتة، سُنَّن ابن ماجة، كتاب الرُّهون). أليست قضية القوامة والإرث مِن شؤون الدُّنيا؟! فعمر بن الخطاب (اغتيل 23 هـ) أوقف العمل بآية الغنائم عند فتح العراق (17 هـ)، وبمشورة مِن علي بن أبي طالب (اغتيل 40 هـ)، جاء في الرِّواية: "إنه أراد أن يُقسم السَّواد بين المسلمين، فأمر أن يُحصوا فوجد الرَّجل يُصيبه ثلاثة مِن الفلاحين. فشاور، فقال له علي بن أبي طالب: دعهم يكونوا مادةً للمسلمين فتركهم... فجعلها فيئاً موقوفاً على المسلمين ما تناسلوا" (ابن سلام، كتاب الأموال). إلى الأحكام الأُخر التي أوقفها، وعبر عنها قائلاً: "إن رسول الله أحلها في زمان ضرورة" (الطبري، تاريخ الأمم والملوك). لا نقصد الإساءة لأهل الجبب والعمائم، كيف يصح ذلك و"العمائم تيجان العرب" (ابن هشام، السَّيرة) وهي غدت الآن تيجاناً للمفاخرة، مع أن الإمام علي قال: "ضعوا تيجان المفاخرة" (نهج البلاغة). ولا إساءة للوزيرة، لكن بعد الاطلاع على سيرتها وجدناها دينية صِرفة. فهذا شأنها، لكنها الآن تترأس لجنة نهوض المرأة، والتي يحق عليها تسمية "الخسوف بالمرأة" لا النَّهوض، وهي التي تأسست خلال الحملة الإيمانية، وكلُّ قوانين النِّظام السَّابق ملغاة أو في طريقها إلا قوانين هذه الحملة. هنا تكون الوزيرة بثقافتها الدِّينية مع الدِّين السِّياسي ضد بنات جنسها، فلا مشكلة لهنَّ مع الله تعالى وهنَّ مخلوقاته، ولا مع كتابه، إنما مشكلتهنَّ مع فقهاء الأحزاب الدِّينية، لذا يصعب أن تتوزر عليهنَّ وهي لا تأخذ في شأنهنَّ بالاعتبار: "تبدل الأحكام بتبدل الأزمان"! لأن مشكلة المرأة في أحوالها الاجتماعية مع رجل الدِّين (بالتأكيد هناك استثناءات)، فكيف يتولى وزارة خاصة بها، فيصير الخصم والحكم، وما سيادة الوزيرة بثقافتها وانتمائها إلا ممثلة لرجال الدِّين، يتوارون وراء جنسها لأسلمة المجتمع! حتى غدت وزارتهنَّ بجبة وعِمامة!