التوتر يعم بعض أجزاء من المنطقة العربية، والاضطراب قد يستمر لعقود طويلة والتحولات عميقة، وهي في بداياتها. والمهم في الموضوع أن المنطقة العربية تدخل مرحلة جديدة في تاريخها ومازالت ملامحها قيد التبلور. وبالرغم من كل ما يُقال حول قوى "الإسلام السياسي" في المشهد العربي، فنعتبره إفرازاً طبيعياً لتراكمات تاريخية، منها ما واجهته هذه الحركات من أشكال مختلفة من العزل والاستبداد ومنها الخيبة التي منيت بها الجماهير العربية من الأحزاب التقليدية، التي استولت على الحكم إبان فترة التحرر، وما جلبته من خيبات، وعجزت عن تحقيق أحلام الشعوب. وفي ظل هذه التحولات ما يقلقنا هو الإقليم الخليجي حيث إنه اليوم يتزعم القرار السياسي، وخصوصاً في سوريا. إيران تتبع سياسة الإنكار لكل ما ينسب لها، كما أنها اليوم تسعى إلى فرض أمر الواقع في ظل غياب العراق كدولة إقليمية فاعلة في المنطقة، وبالتالي تسعى لفرض نفوذها، وهي تدرك أن تحالفاتها في البلاد العربية لم تعد صلبة. ولعل محاولاتها المستمرة سواء في الشأن الكويتي أو البحريني أو السعودي باتت واضحة لكونها تملك شبكة قوية من العلاقات الاقتصادية التي قد تؤثر بشكل أو بآخر في إدارة القرارات الخليجية، لذا نرى بأن الوضع البحريني يستحوذ على اهتمام النظام في سوريا وحلفائه في المنطقة، ومن ثم طبيعة التوتر، باتت مكشوفة بين دول الخليج العربي وإيران. طبعاً نحن ندرك بأن سوريا اليوم لا تملك العودة لسوريا الأمس، وهي تحاول أن تنفذ من التحولات في المنطقة، إلا أن القرارات الدولية تحولت إلى قوة ضاغطة لصالح المعارضة السورية، وأن النظام لن يفلت مهما طالت المدة. والعلة الكبيرة أن عقل السلطة العربية غير قادر على استيعاب مبررات وقوى التغير، فالقذافي كان يتوهم السيطرة في الوقت الذي كانت علامات السقوط واضحة، إلا أن القدرة على التعلم كانت ضعيفة، فكل قائد يعتقد بأن الأمة تقف وراءه، وأن الوطن بترابه وأناسه لا يتعدى سوى مزرعة خاصة به وهذا المشهد يتكرر في سوريا. حصيلة التحولات العربية هي ما تعنينا في مواجهة الوضع البحريني، حيث المعارضة منقسمة منها الحريص على الطبيعة الخاصة للبحرين، ومنها من ينفذ أجندات خارجية تضر بطبيعة الخصوصية الخليجية، وهو ما يدفعنا للبحث عن وسائل تعمق مفهوم المواطنة بالدولة، وخصوصاً بأن الإصلاح بأشكاله المختلفة لا يضر بطبيعة الحكم في دول الخليج، بل يعمق العلاقة بين المواطن ومؤسسة الحكم، خصوصاً أن دولنا الخليجية منها من استوعب عامل الضرورة في مواجهة التحولات العربية، إلا أن ذلك لا يعفي حكوماتنا من مراجعة سياساتها والعمل على ترميم الخدوش ومعالجتها بواقعية وعقلانية. علينا أن نتعلم أن تعطيل الإصلاح تحت أي حجة قد يكلف المجتمع ثمناً باهظاً، قد يضر بأمننا، وبالتالي المبادرة هي أفضل بكثير. نحن نراهن على النخب الحاكمة في فهم أبعاد التحولات، والأمل معقود على عناصر من النخب التي تؤمن بعامل الضرورة والواقعية. ولعل صانعي القرار يدركون طبيعة المرحلة، ويجنبوا دولنا أي تشوهات، تضر بأمننا الاجتماعي خصوصاً بأن نظمنا السياسية تقوم على العقد الاجتماعي وليس على الدبابة كما هو في بعض من البلاد الأخرى.