شهد العام الماضي مرحلة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية بمنطقة الخليج وأوروبا والعالم أجمع. لكن رغم هذه الاضطرابات، فإن العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة اليوم أقوى من أي وقت مضى. فخلال الثمانية عشر شهراً الماضية استقبلت الإمارات صاحبة الجلالة الملكة ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، إلى جانب مسؤولين آخرين، وذلك ضمن زيارات رسمية قاموا بها. كما زار صاحب السمو الملكي دوق يورك الإمارات في أواخر العام الماضي للمشاركة في الاحتفال بالذكرى الأربعين لولادة الاتحاد. وتواصل مدينة لندن النظر إلى الإمارات العربية المتحدة على أنها شريك أساسي، وآمل أن تساعد زيارتي هذا الأسبوع، وبصحبتي وفد من كبار رجال الأعمال من مختلف القطاعات، في تعزيز هذه الروابط بين بلدينا. إننا ننظر لهذه العلاقات، من منظور حي المال بمدينة لندن، بأنها علاقات مبنية على تبادل المهارات والخبرات لتنمية القطاع المالي في كلا البلدين. ومن شأن العلاقات القوية بين بلدينا أن تدعم أهداف التنوع والنمو الاقتصادي على نطاق أوسع. لقد تعافى حي المال بمدينة لندن من الأزمة المالية العالمية التي حلت مؤخراً، ومازال يحتل مركز الصدارة في العالم. والإصلاحات التي اتخذت خلال السنوات القليلة الماضية - والتي تناولت أوجهاً عديدة تراوحت من متطلبات توافر احتياطي رأس المال وحتى رواتب المسؤولين التنفيذيين - عززت استقرار النظام المالي، وبالتالي فهي تعني بأن المملكة المتحدة لديها قدرة فريدة على مساعدة الإمارات في تنمية قطاعها المالي. وقد لعب فريق العمل البريطاني- الإماراتي المشترك الذي تشكل عام 2010 دوراً أساسياً في إنعاش العلاقات بين بلدينا، وخطونا خطوات كبيرة تجاه تحقيق هدف زيادة حجم التجارة المتبادلة لتصل إلى 12 مليار جنيه استرليني بحلول عام 2015. كما اتخذت خطوات مهمة تجاه تعزيز التعاون بمجالات من بينها الدفاع والطاقة والتعليم. لكن كما هو الحال دائماً، هناك نطاق للمزيد من الجهود، وقد أدركت الهيئة البريطانية للتجارة والاستثمار ذلك حين وضعت بعين الاعتبار في خطتها الخمسية الإمارات كواحدة من الأسواق ذات النمو السريع. يحتل التعليم والتدريب والمؤهلات أهمية كبيرة في تنمية قاعدة مهارات شعبينا. وتوفير تعليم عالمي المستوى يمثل جوهر سمعة المملكة المتحدة بتطويرها واجتذابها للمهارات التي تحتاجها الشركات العاملة بقطاع الخدمات المالية العالمية. وبحكم منصبي مديراً لجامعة "سيتي"، أثار إعجابي ما حققته كلية "كاس للأعمال" في دبي. فهذه الكلية التي تعد دائماً من أفضل كليات الأعمال في العالم تدعم تواجدها في الإمارات الجهود المبذولة لإعداد الجيل التالي من كبار القادة الإماراتيين. والشركات في حي المال بمدينة لندن تدعم عملية التوطين، كما أن من شأن التعاون الوثيق مع الإمارات أن يساهم في تعزيز عملية التبادل المفيدة لكلا الطرفين بمجال المهارات والأفكار ورؤوس الأموال. كما تكاتفت شركتا "كليفورد تشانس" و"تروارز أند هاملينز" مع "دبي القابضة" عام 2008 لإطلاق أول برنامج تدريبي بمجال القانون الإنجليزي للمواطنين الإماراتيين. ومنذ ذلك الحين باتت شركة "هيربرت سميث" وشركة - آلِن آند أوفري - تشاركان بفعالية في هذا المجال، إلى جانب العديد غيرهما من الشركات البريطانية. وما برح مصرفا "إتش. إس. بي. سي" و"ستاندارد تشارتر" يقدمان مساهمات كبيرة لتدريب الإماراتيين البارعين، وهو ما دأبا على عمله خلال شراكتهما الطويلة مع الإمارات. هذه شراكة في كلا الاتجاهين، ونحن حريصون على تشجيع الإمارات على استثمار المزيد في المملكة المتحدة. ولدى نصف أكبر صناديق الثروة السيادية - بما فيها جهاز أبوظبي للاستثمار - مكاتب في لندن، ويسعدنا جداً وجودهم بيننا. كما ساعدت شراكتنا في توفير تمويل إماراتي لمشاريع كبيرة من بينها مشروع مصفوفة لندن (لندن آراي) وهو أكبر مشروع في أوروبا لمزرعة الرياح البحرية لتوليد الطاقة، وكذلك الميناء والمركز اللوجستي الأكثر طموحاً في المملكة المتحدة - لندن غيتواي - الذي يقع عند مصب نهر "التايمز" وتم استثمار مبالغ كبيرة في نادي "مانشستر سيتي" لكرة القدم - وذلك يسعدني قدر ما يؤلمني قوله باعتباري من مشجعي نادي "برادفورد”! كما أن شركة طيران "الاتحاد" اختارت "مانشستر" موقعاً لمقرها في أوروبا. إن تطوير البنية التحتية، والتغلب على العوائق المحتملة ضروري، لضمان رخاء بلدينا على الأجل الطويل. فليس بوسع المملكة المتحدة ولا الإمارات وقف عملية التطوير الجارية فيهما بينما تواصل دول أخرى البناء لأجل مستقبلها. على ضوء ذلك فإن نطاق البرامج المنضوية تحت رؤية أبوظبي 2030 - الذي يتضمن خطوط سكك حديدية وشبكات مترو ووسائل النقل المائية وبناء طرق أفضل - رائع للغاية. لدى حي المال بمدينة لندن خبرات واسعة بمجال حشد رؤوس الأموال اللازمة لهذا المشروع الهائل. وبشكل خاص، بإمكان الشراكة بين القطاعين العام والخاص أن تكون نموذجاً مالياً يتيح للإمارات الاستفادة من الخبرات على الأجل الطويل من خلال إشراك القطاع الخاص في توفير الخدمات العامة. وتتمتع الشركات البريطانية بخبرة بالعمل في مثل هذه المشاريع الكبيرة - من التصميم وحتى التنفيذ - وبالتالي هي بمكانة تتيح لها المساعدة بتحويل خطط الإمارات إلى واقع ملموس. كما أن "جورج أوزبورن"، وزير الخزانة، عازم على تحقيق النمو في المملكة المتحدة والمساعدة في تمهيد السبيل أمام المستثمرين من الخارج، ولما فيه صالح البلدين. فقد أعلن في الخريف الماضي عن تشكيل لجنة جديدة بمجلس الوزراء معنية بالمشاريع الكبرى، لكي يطمئن المستثمرون الدوليون إلى أن أي عراقيل تواجهها المشاريع الكبرى ستلقى اهتماماً من أعلى المسؤولين بالحكومة البريطانية. من الواضح تماماً أن الشراكة الإماراتية-البريطانية القوية والدائمة تعم بفائدتها على كلا البلدين، وآمل أن تكون زيارتي هذه بمثابة أداة لتبادل الخبرات بين المعنيين وتعزيز الروابط المالية. لا شك لديّ بأن عام 2012 يحمل تحديات كبيرة للندن والمملكة المتحدة والإمارات والعالم ككل. لكن لدينا الإمكانية، من خلال الشراكة المستمرة بيننا، أن نحيل هذه التحديات الهائلة إلى تراث يتواصل للأجيال المقبلة في كلا بلدينا. -------- ديفيد ووتن عمدة حي المال بمدينة لندن