الخبر الرئيسي حول المالديف في الصحف ووكالات الأنباء ومواقع الشبكة العنكبوتية، يتعلق بموافقة الرئيس المالديفي الجديد محمد وحيد حسن على إجراء الانتخابات الرئاسية قبل موعدها المقرر في أكتوبر 2013، بموجب وساطة هندية بين وحيد وسلفه محمد نشيد. لكن القرار جاء عقب تنامي أعمال العنف التي تلت تصريحات لنشيد قال فيها إن استقالته يوم السابع من فبراير الجاري إنما كانت تحت التهديد باستخدام السلاح. فهل سيستطيع وحيد إدارة البلاد وسط ما تعتمل به من تحديات سياسية وأمنية وبيئية جمة؟ وماذا يملك من خبرات للاطلاع بمهام منصبه الجديد؟ لا يزال الاحتمال المرجح حتى الآن هو أن المالديف مقبلة على حالة من التقلب وعدم الاستقرار، لاسيما بعد أمر الاعتقال الذي أصدرته الحكومة بحق نشيد ووزير دفاعه، ومن ثم فالأزمة المالديفية قد لا تجد حلها في القريب العاجل. وعن الرئيس وحيد نفسه، فهو سياسي ملديفي سبق أن عمل خبيراً في بعض المنظمات الدولية، وكان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية خلال السنوات الثلاث الماضية. وقد ولد عام 1953 لعائلة فقيرة نسبياً في العاصمة "ماليه"، لكنه تابع دراسته في الجامعة الأميركية ببيروت، وبعد عودته إلى المالديف عام 1976 عمل مدرساً للغة الإنجليزية، ثم أصبح مقدم برنامج تلفزيوني ناجح، إلا أنه سافر عام 1979 لاستئناف دراسته في جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة، حيث حصل على شهادة الماجستير في التخطيط التربوي، ثم على ماجستير أخرى في العلوم السياسية عام 1985، فالدكتوراه عن بحث حول "التربية والتعليم وأثرهما على التنمية الدولية" عام 1987، ليصبح أول ملديفي يحمل اللقب العلمي "دكتور". ولا تعرف للدكتور وحيد أنشطة سياسية بارزة قبل عام 1989 حينما شارك في الانتخابات النيابية عن إحدى دوائر "ماليه"، حيث تغلب على أحد أصهار الرئيس ممن خاضوا الانتخابات بدعم من الحكومة. وفي البرلمان طرح مع مجموعة من النواب مشروع قانون لضمان الحريات المدنية والسياسية، لكن رئيس الهيئة التشريعية، وهو أخ لرئيس الجمهورية، أفشل المشروع في مراحله الأخيرة. ولعل ذلك مما دفع وحيد لمغادرة المالديف عام 1991، حيث عمل في برنامج تابع للأمم المتحدة يعنى بتطوير التعليم في دول الجنوب الأفريقي وجنوب المحيط الهادئ. وفي العام التالي عين رئيساً لقسم في "اليونيسيف" معني بالتربية في تنزانيا، حيث شارك في وضع برامج للتعليم الأساسي وفي إنشاء مدارس لصالح أطفال المناطق النائية. ثم عمل بمقر "اليونيسيف" في نيويورك، قبل تعيينه نائباً لمديرها على مستوى جنوب آسيا. وفي عام 2002 أصبح مديراً لمكتب المنظمة في أفغانستان، ومنها عاد إلى نيويورك عام 2004، حيث عين مديراً مشاركاً في "مجموعة الأمم المتحدة للتنمية"، لكنه استقال في العام التالي مقرراً العودة إلى بلاده. بعد 14 سنة من الغياب، عاد وحيد إلى المالديف حاملاً خبرته في المجال الدولي، للعمل إلى جانب القيادة التي تشكلت حديثاً لـ"الحزب المالديفي الديمقراطي" المعارض الذي كان "نشيد" أحد قادته المؤسسين. لكن وحيد تعرض لحملة تشويه واسعة، يعتقد أن وراءها جهات رسمية، فخسر المنافسة على زعامة الحزب، وإن بفارق ضئيل لصالح نشيد. ثم عمل ستة أشهر في برنامج تنمية الأسواق، وساهم في تطوير السياسة المالية للملديف وأصبح أحد الأعضاء الرئيسيين في ذلك البرنامج. وبعد تلك الفترة التي شكلت "استراحة محارب"، عاد وحيد إلى المسرح السياسي فشكل في يونيو 2008 "الحزب القومي الاتحادي". وفي سبتمبر أعلنه الحزب مرشحاً عنه لانتخابات الرئاسة، لكنه عاد وشكل ائتلافاً مع أحزاب معارضة أخرى مثل "الحزب المالديفي الديمقراطي" و"حركة جزر المالديف الجديدة" و"الحزب الجمهوري" و"حزب الألفية الديمقراطي"، وتم التوافق على ترشيح نشيد لمنصب الرئيس ووحيد نائباً له. وفي أول انتخابات تعددية تشهدها المالديف، تمت الإطاحة بعبد القيوم الذي ظل يحكم طيلة 30 عاماً، ليحل محله الناشط الحقوقي والمعارض البارز محمد نشيد كأول رئيس منتخب للملديف. ومع وحيد عاد منصب نائب الرئيس بعد 50 عاماً على شطبه من النظام السياسي المالديفي. لكن يتضح اليوم أن تلك لم تكن نهاية المصاعب أمام التحول الديمقراطي في الأرخبيل المكون من 1190 جزيرة مرجانية في المحيط الهندي، إلى الجنوب الغربي من سيريلانكا وإلى الشرق من الصومال، فبعد أن تخلص من موجات الحكم الاستعماري، البرتغالي ثم الهولندي، وأخيراً البريطاني عام 1965، تحول إلى سلطنة، ثم عاد ليصبح جمهورية تحت حكم عبد القيوم الذي أدارها بأسلوب أحادي حتى عام 2008. بيد أنه في ظل رئاسة "نشيد" الذي ينسب إليه فضل قيام الديمقراطية في البلاد، ترددت ضده اتهامات بالأوتوقراطية، منها اعتقاله كبير القضاة الذي يعد مقرباً من المعارضة بقيادة عبد القيوم، ومحاولته تغيير الطابع الإسلامي للملديف التي يعتنق الإسلامَ جميع سكانها البالغ عددهم نحو 350 ألف نسمة. هذا فضلاً عن السخط على حالة الاقتصاد المتردية والبطالة المتنامية، والذي أثار احتجاجات شعبية منذ مايو الماضي. هذا دون أن ننسى التحدي المناخي الذي أصبح يشكل هماً مؤرقاً لكل المالديفيين، وقد بلغ من اهتمام نشيد به أن عقد اجتماعاً لكامل حكومته تحت سطح الماء وبملابس الغوص، لكنه رغم ذلك لم يسجل إنجازاً جدياً يقلص المخاطر المحدقة بالمالديف من البحر، كما أظهرها التسونامي عام 2004 الذي أحدث دماراً في عشرات الجزر. كل هذه التحديات مجتمعة يرثها وحيد، مضافاً إليها وضع سياسي مضطرب وغير مستقر، خاصة بعد أن انتقل "الحزب الديمقراطية المالديفي" من موقع الحليف إلى موقع الخصم. ورغم أن وحيد بدأ مشارات مع جميع الأحزاب السياسية، مبدياً رغبته في تكوين حكومة وحدة وطنية موسعة، فإن النوايا الحقيقية للمعارضة بقيادة عبد القيوم لم تتضح إلى الآن. كما أن قبوله دور الوساطة الهندية قد يورطه مبكراً في صراع النفوذ الإقليمي بين الهند والصين، حيث كان انفتاح نشيد على كل من بكين وإسلام آباد قد أثار عليه حفيظة نيودلهي. وإلى أن يجرى تنظيم الانتخابات الرئاسية المبكرة، والتي لم يعلن موعدها إلى الآن، يتعين على الدكتور وحيد السير بحذر في حقل من الأشواك أو أرخبيل من الجزيرات الصغيرة المهددة بالتسونامي، داخلياً وإقليمياً. محمد ولد المنى