احتفلت تونس ومن بعدها مصر ومؤخراً ليبيا بمرور عام على نجاح ثوراتها وإطاحتها أنظمتها الديكتاتوريّة التي حكمت البلاد مدة تتراوح ما بين ثلاثة إلى أربعة عقود. والسؤال الذي يتكرر على لسان كل عربي.. هل نجحت بالفعل الثورات العربية وحققت شعوبها ما كانت تتطلع إليه من أمن واستقرار وعدالة اجتماعيّة؟! في مناقشة مع أحد زملائي المثقفين حول ما أفرزته هذه الثورات، أبدى تخوفه من تأثيراتها، موضحاً بأن المجتمعات الغربية قامت ثوراتها ونجحت بفضل مطالب مفكريها ومثقفيها، ضارباً المثل بثورة فرنسا التي كانت الأسس المنهجية التي وضعها مفكروها البارزون وعلى رأسهم جان جاك روسّو، سبباً مباشراً في اندلاع ثورتها وحماية الشعب من الانزلاق إلى هوة التخبّط. يرى صديقي بأن الثورات العربية حدث فيها العكس، فقد قامت على العشوائية نتيجة القمع والاستبداد وتفشّي الفقر والبطالة وانتشار الفساد بأنواعه، ولم يكن لها مسار واضح، حيث أشعل فتيلتها مجموعة من الشباب الغاضب، ولم يكن للأحزاب الليبرالية دور بارز فيها، بل فشلت في تحريك الميادين رغم وجودها على الساحة عقوداً طويلة! هناك من يرى بأن هذا التخوّف لا مبرر له، كون الثورات التي وقعت في المجتمعات الغربية لم تتبلور بين يوم وليلة، بل استلزم نجاحها سنوات حتّى قطفت الشعوب ثمارها، وأن الثورة تعني الثورة في كل قواميس اللغة. وهناك من أظهر تخوّفه بعد صعود نجم التيارات الدينية وسيطرتها بالأغلبية على المؤسسات التشريعيّة، وهو ما أظهرته نتائج الانتخابات البرلمانية كنتيجة حتمية لفقدان الناس البسطاء الثقة في حكم العسكر وفي مواقف بعض الليبراليين المتخاذلة والمتملقة والمتلونة! زرتُ جاكرتا عاصمة إندونيسيا وجزيرة بالي الشهيرة مؤخراً، اندهشت لرؤية هذا البلد المتعدد الأعراق، كون أغلبنا نظرته ضيقة الرؤيا في كونه فقط المكان الذي نجلب منه العمالة المنزلية! ولكن الزائر سرعان ما يكتشف عظمته المتمثلة في أماكنه السياحيّة الرائعة، ومناظره الجبلية الساحرة، إلى جانب متانة بنيته التحتية. فالأمطار تتساقط يوميّاً ليتفاجأ السائح عند المساء بألا أثر لتجمّع المياه على الأرصفة، وتعود لتبرق من جديد دون أن تقع عرقلة مرور، أو يُعلن عن حالة طوارئ في أرجاء البلاد! ورغم مساحاته الشاسعة وتعداد سكانه الضخم، فإن الزائر يُشاهد المسلم بجانب المسيحي والبوذي واليهودي! لا يتناهى لسمعه وهو يتسكع في طرقاتها البسيطة عن حوادث شغب عنصرية! وهذا كله بالطبع يعود إلى شيوع ثقافة التسامح والتعايش المشترك داخل المجتمع الإندونيسي. إن تخوّف المثقفين من وصول الإسلاميين إلى الحكم في بلاد الثورات، يعود للأسف إلى أن النظرة السائدة في أن هذه الجماعات تصرّح علانية بأنها عدوة المدنية والفنون وتدعو إلى تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية بحذافيرها! بجانب أن التعصّب الديني متفشٍ في مجتمعاتنا، وتكفير الأقليات أصبح مباحاً في عدد من القنوات الفضائية مثل كلمة "سلام عليكو!". وغدا هناك توجّس لدى الجمعيات الحقوقيّة والاتحادات النسائيّة من تراجع مكانة المرأة التي حصدتها بعد نضال طويل، نتيجة مطالبة أغلبية الإسلاميين بتحجيم المرأة وإقصائها عن الحياة العامة! هل يا ترى ما حدث في 2011 الذي أصبح يُعرف بعام الثورات بكل ما تخلله من أحداث جسام ومفاجآت كبيرة، واستطاعت فيه الشعوب كسر حواجز الخوف والتحرر من الخنوع، أن يُحقق إيجابيات حقيقيّة في المستقبل القريب؟! هل سنرى على أرض الواقع نموذجاً مشرقاً مغايراً لما ألفناه في مجتمعاتنا من تعصّب وعنصرية مقيتة، يحرص على احترام كافة الأديان، وعلى حفظ حقوق المواطنين بمختلف أعراقهم، أم أن تخوفنا في مكانه؟!