يثبت أوباما أنه واحد من أكثر الرؤساء غموضاً وأشدهم صعوبة على التقييم من جانب المحللين والمتابعين. فخلال حملة الانتخابات الرئاسية، قدم أوباما خطابا يَعد بالتغيير والأمل. والحال أن ولايته الأولى، وباتفاق الكثيرين، كانت ولاية طغى عليها الركود والجمود، الأمر الذي ترك العديد من الناخبين الذين يقاسون ويعانون من أوقات عصيبة، في حالة يأس. وحتى الآن، مازال من غير الواضح كيف سيسهم التحسن الطفيف الذي عرفه الاقتصاد في وقت مبكر من هذا العام في تعزيز فرص إعادة انتخابه. فخلال حملته الانتخابية، كان أوباما قد عارض سياسة الحرس القديم، لكن الأيام أثبتت أنه جد سياسي، حيث وصف الكونجرس الذي لابد من الاعتراف هنا بأنه غير كفؤ أحياناً، باعتباره العقبة الوحيدة أمام قدرته على اكتساب قوة وزخم رئاسيين. وفي بعض المناسبات العلنية كان أوباما يطلق عبارات وتعليقات مضحكة حول صحفيي واشنطن وسياسييها، بل إنه أظهر صوتاً غنائياً جيداً. لكنه لم يُظهر النوع نفسه من الود والألفة مع المطلعين على أحوال واشنطن مثلما فعل كينيدي أو ريجن، أو كلينتون... بنجاح كبير، حيث يشتكي زعماء الكونجرس من أن أشهراً عديدة تمر دون أن يتلقوا اتصالاً هاتفياً من البيت الأبيض. غير أنه مما لا شك فيه أن بعضاً من القرارات التي يتخذها أوباما هي الأكثر إثارة للحيرة والارتباك. ولعل القرار الأكثر أهمية الذي اتخذه أوباما خلال فترته الرئاسية حتى الآن هو الأمر الذي أصدره بالقضاء على الخطر الذي يشكله زعيم تنظيم "القاعدة"، بن لادن. فخلال إصدار الأمر، كان يتعين على الرئيس أن يدرك أنه سيكون ثمة احتمال كبير لقتل بن لادن، بدلاً من القبض عليه. وقد كان قراراً اتخذه أوباما وهو يدرك أنه في حال باءت المهمة بالفشل، فإنها ستتحول إلى وصمة عار في سجله، تماماً على غرار تلك التي تصم سجل كارتر بعد محاولته الفاشلة إنقاذ رهائن دبلوماسيين أميركيين من إيران في الرابع والعشرين من أبريل 1980. وعلاوة على ذلك، فإن أوباما واجه معارضة حول العملية من قبل نائبه وشكوكاً في نجاحها من قبل بعض أعضاء دائرته الداخلية. لكن الأمر بالمضي قدماً في تنفيذ العملية الذي أصدره كان ينم عن القوة والشجاعة. غير أنه على الجبهة الداخلية، يمكن القول إن أحد أسوأ القرارات التي اتخذها أوباما ربما كان تجاهل التوصيات التي صدرت عن لجنة سيمبسون- باولز، وهي اللجنة التي كان قد شكلها هو نفسه قصد مناقشة موضوع عجز الميزانية. وكانت تلك الهيئة قد قدمت توصيات دراماتيكية من أجل حل بعض من أعوص مشاكل البلاد الاقتصادية. وكان تطبيقها سيتطلب تفسيراً مقنعاً للشعب الأميركي وحديثاً صريحاً وصارماً مع السياسيين المنتخَبين. غير أنه لو أن الرئيس اتبع توصيات اللجنة بشكل كامل، لكان قد وضع البلاد على طريق معالجة التحديين الأكثر خطورة اللذين مازالت تواجههما: نظام ضرائب ثقيل وغير عملي، وميزانية حكومة فدرالية خارجة عن نطاق السيطرة والعقل. وكان ذلك سيعني طريقاً صعباً بالنسبة لأوباما، لكن الرئيس كان سيكون أفضل حالاً بكثير مما هو عليه اليوم، في وقت بات يواجه فيه معدل شعبية متدنياً نسبياً وفرصاً أقل من المؤكدة لإعادة انتخابه. وفي تقديري الخاص، أنه كان باستطاعة أوباما في ذلك الوقت الشروع في جعل الحكومة أصغر حجماً، والنظام الضريبي أكثر مساواة. كما أعتقد أنه كان يستطيع بيع ذلك البرنامج للأميركيين الذين يضطرون يومياً وأسبوعياً إلى تقليص إنفاقهم الشخصي وتدبير ميزانياتهم ضمن نطاق ما تسمح به مداخيلهم. أما القرار الاستثنائي الآخر لهذا الرئيس، فهو -في اعتقادنا- القرار الذي اتخذه خلال الآونة الأخيرة والقاضي بالانخراط في حرب سياسية مع الكنيسة الكاثوليكية. لكن، ألا يعلم أوباما أن الأميركيين لا يحبون أن تتدخل الحكومة في معتقداتهم وممارساتهم الدينية؟ غير أن إدارته قررت، في إطار الإصلاح الذي أدخله أوباما على برنامج الرعاية الصحية، أن تغطية التأمين الصحي لموظفي الهيئات الكاثوليكية ينبغي أن تدفع فاتورة تحديد النسل وعمليات الإجهاض التي تتعارض مع معتقدات الكنيسة، وهو ما دفع مسؤولي الكنيسة إلى الرد باستغراب وغضب. وربما من المفيد التذكير في هذا السياق بأن ثمة أصواتا كاثوليكية مهمة في الولايات المتحدة، وأن معظم الأميركيين الكاثوليك دعموا أوباما في انتخابات عام 2008. وبالتالي، فإذا لم يتم إلغاء القرارات التي أصدرتها الإدارة، أو لم تعتبرها المحاكم انتهاكاً للتعديل الدستوري الأول، مثلما يرى البعض، فإن الرئيس قد لا يستطيع التعويل على تلك الأغلبية مرة أخرى. وبالتالي، فلا غرو أن المؤرخين الذين تتمثل مهمتهم في تسجيل وتأريخ تقدم وأداء هذا الرئيس واقعون في الحيرة! جون هيوز محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور