حذر رئيس الوزراء الروسي بوتين من أن تراجع سكان روسيا يهدد مستقبلها، متعهداً بإصلاح الوضع من خلال سياسات اجتماعية جديدة قادرة على التعامل مع الموضوع، إن أعيد انتخابه لولاية رئاسية ثالثة في الانتخابات التي ستجرى بعد أقل من ثلاثة أسابيع من الآن. ففي مقاله الرابع ضمن سلسلة مقالات يوضح فيها برنامجه الانتخابي، وما سينجزه على مدى ولاية من ست سنوات، حذر بوتين يوم الاثنين الماضي من الأزمة الديموغرافية المستفحلة في روسيا، والمتمثلة في تدني معدل الولادات وارتفاع نسبة الوفيات لدى الرجال العاملين، ما قد يحدث "فراغاً جيواستراتيجياً في البلاد التي ستقرر مصيرها قوى أخرى، ما لم نسارع إلى عكس هذا التدهور السكاني". ومن الإجراءات التي يقترحها بوتين لحل المعضلة الديموغرافية في روسيا، معالجة مشكلة الإدمان على الكحول، وتخصيص مساعدات مالية للنساء اللواتي ينجبن أكثر من طفلين، وتحسين السكن وآفاق التعليم بالنسبة للروس، فضلاً عن تبني سياسة ذكية للهجرة تجذب شباباً موهوبين ومتعلمين من الخارج. وكان بوتين عندما جاء إلى السلطة قبل 12 سنة، قد ورث وضعاً سكانياً كارثياً اتسم بانكماش عدد السكان بنسبة 0.5 في المئة سنوياً، كما أن احتمال الانهيار الوطني كان موضوعاً مفتوحاً للنقاش من قبل علماء الاجتماع الروس، لكن بعد عقد من الاستقرار السياسي النسبي، وارتفاع مستوى المعيشة، وحملات التوعية الصحية... استدركت بعض المشاكل، خاصة فيما يتعلق بأمد الحياة لترتفع من 58 سنة في عام 2003 إلى 63 في 2011، كما زادت نسبة الخصوبة لدى النساء من 1.2 للمرأة في 2002 إلى 1.6 عام 2011، وإن كان المعدل ما زال دون المستوى الذي يحدده العلماء للحفاظ على النمو السكاني، والمتمثل في 2.1 للمرأة. لكن رغم هذا التحسن، بدا بوتين في مقاله واضحاً ومحذراً من أنه في حال استمرار الوتيرة نفسها للنمو السكاني، فسينخفض عدد السكان الروس من 143 مليون نسمة حالياً إلى 107 ملايين بحلول عام 2050، وهي كارثة بالنسبة لبلد يمتد على مساحات شاسعة ويضم ما يقارب من 40 في المئة من الموارد الطبيعية التي يزخر بها العالم. غير أن بوتين يطمئن الروس بأنه "إذا ما بلورنا سياسة فعالة وشاملة لمعالجة الوضع الديموغرافي، فسيرتفع سكان روسيا إلى 154 مليون نسمة"، مضيفاً أن "الكلفة التاريخية بين خيار التحرك والتقاعس عن العمل هي 50 مليون نسمة من السكان خلال الأربعين عاماً المقبلة". بيد أن علماء الاجتماع والخبراء في المجال الديموغرافي يحذرون من أن علمهم ليس نهائياً وبالتالي لا توجد حلول حاسمة، فضلاً عن أن أغلب الاقتراحات التي طرحها بوتين لن تساهم في ردم الهوة الكبيرة في عدد السكان والتراجع الديموغرافي المستفحل في روسيا، كما أنها لن تفيد في شيء عملية الهجرة الداخلية التي تفرغ سيبيريا والمناطق الشرقية النائية من سكانها، وهي المناطق التي تضم أغلب الاحتياطيات الروسية من الموارد الطبيعية. وفي هذا السياق يقول "بوريس دينيسوف"، الخبير الديموغرافي في جامعة موسكو: "يعول بوتين على خفض نسبة الوفيات وتقليص تعاطي الكحول والمخدرات وتشجيع الناس على ممارسة الرياضة، وهي كلها تدابير واقعية، لكن رغبة السلطات في الرفع من نسبة الولادات تستند إلى الفكرة القائلة بأن النساء والعائلات تريد المزيد من الأطفال وأن ما يحول دون ذلك هو قلة المال وباقي الموارد، لذا هناك اعتقاد بأنه في حال توفير السكن والمال ستلجأ النساء إلى الإنجاب. والحقيقة أنه لا يوجد ما يدعم علمياً هذه الفكرة، فالعديد من البلدان في العام لديها شروط معيشية أفضل من روسيا، ومع ذلك فهي تعيش انخفاضاً حاداً في نسبة الولادات". وبحسب بوتين ستحصل العائلات التي تتوافر على أكثر من ثلاثة أطفال على أولويات السكن وعلى مساعدات خاصة تصل 250 دولاراً في الشهر عن كل طفل، فيما ستتم مساعدة النساء العاملات على العناية بأطفالهن. بيد أن "زهانا زاينكوفسا"، الخبيرة في "مركز دراسات الهجرة" المستقل بموسكو، ترى أن الارتفاع الطفيف في معدل الولادات الذي شهدته روسيا مؤخراً لا علاقة له بالسياسات الاجتماعية، بقدر ما يُعزى إلى وصول مواليد الثمانينيات من النساء إلى سن الإنجاب، قائلة: "الزيادة الحالية في عدد المواليد مؤقتة"، وبعد عامين من الآن عندما تصل النساء اللواتي ولدن خلال التسعينيات، وهن قليلات، إلى سن الإنجاب ستنخفض النسبة، وتذهب الفكرة الأخرى التي يقترحها بوتين إلى تشجيع الهجرة، لاسيما بالنسبة للناطقين بالروسية المقيمين في بلدان الاتحاد السوفييتي السابق، فضلاً عن تحفيز الشتات الروسي في الخارج للعودة إلى ديارهم. وتحدث بوتين عن تدفق ما لا يقل عن 300 ألف مهاجر سنوياً، ليرفع بذلك عدد السكان، وإن كان قد اعترف هو نفسه بأن السياسات السابقة المرتبطة بالهجرة "لم تكن ناجعة". لكن الواقع يشير إلى غير ذلك، فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "لافادا" المستقل في موسكو، أن 22 في المئة من البالغين الروس يتطلعون إلى مغادرة روسيا، وترتفع تلك النسبة أكبر لدى شريحة الشباب الروس المتعلم. وفيما يمكن لروسيا استقطاب عدد كبير من المهاجرين القادمين من الصين وآسيا الوسطى، فإن بوتين يوضح بأن سياسة الهجرة تقتصر على الناطقين باللغة الروسية القادرين على "اعتناق الثقافة والقيم الروسية"، مضيفاً أن روسيا تستطيع استقطاب الكفاءات الأجنبية من الشباب. لكن حتى الهجرة إلى روسيا قد لا تكون حلاً فعالاً في رأي الخبراء بالنظر إلى طبيعة المجتمع الروسي الكاره للأجانب. --------- فريد وير-موسكو --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"