عاد "هاربر" إلى أوتوا من رحلة تسويقية في الصين، اسغرقت أربعة أيام، وصحبه فيها إلى جانب بعض وزرائه وموظفي مكتبه، وفد من رجال الأعمال الكنديين. وهذه ثالث زيارة يؤديها رئيس وزراء كندا المحافظ للصين الشعبية، والذي عرف بانتقاداته المريرة لذلك البلد منذ أن كان زعيماً للمعارضة في مجلس العموم (البرلمان الكندي). لكن عندما أصبح هاربر رئيساً لحكومة الأقلية النيابية الأولى، خرج على التقليد الذي أرساه من سبقوه من رؤساء الحكومة الكندية والذي ابتدعه رئيس الوزراء الليبرالي السابق جان كريشان. وكان هاربر يرفض زيارة الصين عندما أصبح رئيساً للحكومة، ولم يستجب لدعوات المعارضة والصحفيين وبعض رجال الأعمال، إلا تحت ضغط رجال الأعمال من حزبه الذين لديهم مصالح وعلاقات تجارية مع الصين. هذه الرحلة لهاربر وصفها هو، وحتى بعض معارضيه من الصحفيين والكتاب الكنديين، بأنها كانت تاريخية وناجحة وقد حققت لكندا نتائج مباشرة في قطاعات التجارة والاستثمار، حيث فتحت الباب على مصراعيه لرجال الأعمال والتجار والفنيين، فوفقوا في عقد عدد من الاتفاقات مع نظرائهم الصينيين في مجالات التجارة من "اليورانيوم" إلى الأخشاب وتصدير التقنية الحديثة والاستثمار، كما وقّع رئيس الوزراء الكندي مع نظيره الصيني اتفاقية حماية متبادلة للاستثمارات. وكانت الصين ترغب في عقد اتفاق لحرية التجارة وانتقال رؤوس الأموال والاستثمار أشبه باتفاق كندا والولايات المتحدة والمكسيك، لكن هاربر يرى أن الوقت لم يحن بعد لذلك. وقبل سفره كانت الدعوات والنصائح بل والهجوم عليه يومياً في بعض الصحف والقنوات التلفزيونية، خاصة من منظمة العفو الدولية (فرع كندا) وجماعات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان الكندية، تحذره من المساومة في القضايا الإنسانية من أجل مكاسب تجارية. لكن من سوء حظ هاربر أن جاءت زيارته بالتزامن مع الموقف الصيني الروسي في مجلس الأمن من الموضوع السوري! لكن الواضح أن رحلة هاربر واجتماعاته مع المسؤولين الصينيين، لم تؤثر على الموقف الصيني الثابت. وقال هاربر للصحفيين الكنديين المرافقين له، إنه تحدث مع المسؤولين الصينيين في اجتماعاتهم بلغة واضحة حول موقف الشعب الكندي وحكومته من حقوق الإنسان والقهر والتسلط على الأقليات المعارضة، وأبدى لهم استغرابه من أن بلداً عظيماً مثل الصين يقف إلى جانب النظام السوري الذي يقتل شعبه ويحرم حتى الجرحى والمرضى من الدواء والعلاج! المرة الوحيدة التي تحدث فيها هاربر في اجتماع عام عقد في مدينة بعيدة من بكين، وكان حضوره لا يتجاوز مائتي شخص من رجال الأعمال والموظفين وتعرض فيه لموقف الصين المخجل... لكن وكالمعتاد تجاهلت خبره الصحف الصينية. لقد عاد رئيس الحكومة ووفده "مسرورين" برحلتهم التاريخية ونتائجها التي تحققت في مجالات التجارة والاستثمار. وكان هاربر قد قال في اجتماع إن ثمة من يعارض في بلدنا تصدير البترول للصين، وهم قلة مدعومة من قبل بعض الرأسماليين الأجانب، وأنا أقول لهم "إن كندا ستصدر بترولها لمن يرغب في شرائه ومشاركتنا في تنمية وتطوير مصالحنا التجارية المشتركة". والعارفون يقولون إن حماس هاربر لإنتاج وتصدير بترول الغرب قد تضاعف عندما تخلى أوباما عن اتفاق سابق مع كندا على مد خطوط أنابيب البترول من كندا إلى الولايات المتحدة، مستجيباً بذلك لاعتراض بعض الولايات الأميركية التي سيمر الأنبوب عبر أراضيها، وكذلك مخاوف جماعات البيئة الأميركية القوية وهم بعض ناخبيه. وهكذا تتحقق كل يوم مقولة سياسي بريطاني سابق: "بريطانيا ليس لها أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، بل مصالح دائمة". وهكذا أيضاً يثبت في لعبة السياسة أن فريق المصالح التجارية يهزم دائماً فريق المبادئ والمثل الإنسانية.