على النقيض من انتخابات مجلس الشعب وكذلك الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي تكدست فيه طوابير الناخبين أمام اللجان كان الإقبال على انتخابات الشورى ضعيفاً، إذ لم يتعد 15,6 في المئة ممن لهم حق التصويت، وكان صادماً وكاشفاً ودالاً في وقت واحد. والقراءة الدقيقة لهذه "الظاهرة" تتطلب أن نمعن النظر في السياق العام الذي أحاط بها، والذي ساهم، بشكل أو بآخر، في إنتاجها على النحو الذي مَثـُل أمام أسماعنا وأبصارنا وأفهامنا جميعاً. وهذا يتطلب أن نستعرض عناصر محددة على النحو التالي: 1 - منذ إنشاء مجلس الشورى والإقبال على انتخاباته ضعيف دوماً، وكان نظام مبارك يبالغ في النسبة التي يعلن حضورها ومشاركتها في هذه الانتخابات، فضلاًعن تسويد ملايين البطاقات لصالح "الحزب الوطني الديمقراطي" المنحل. وكانت هذه المبالغة ترمي إلى إضفاء شرعية على هذا الكيان المؤسسي، بأي صيغة وأي شكل. وتعزى قلة الانشغال بانتخابات الشورى والإقبال عليها إلى عدة عوامل، منها: أ - ضعف صلاحيات مجلس الشورى في مجالي الرقابة والتشريع، واستقرار صورة لدى الرأي العام عنه أنه مجرد "نادٍ سياسي" يلتحق به بعض من تريد السلطة إرضاءهم في مجال توزيعها للمنافع والمكاسب، وذلك استناداً إلى أن رئيس الجمهورية كان يعين ثلث أعضائه. ب - اتساع دوائره الانتخابية مما يؤثر على قدرة المتنافسين السياسيين على تعبئة وحشد الجمهور كي يذهب إلى لجان الاقتراع بكثافة. ج - في كثير من الأحيان والحالات يكون مرشح مجلس الشورى أقل شهرة وخبرة من مرشح مجلس الشعب، وينظر إليه وكأنه "كادر سياسي من الدرجة الثانية" كما ينظر إليه الجمهور العام باعتباره أقل قدرة على إنجاز بعض المطالب والمصالح والمنافع الشخصية المباشرة، في ظل انتعاش ظاهرة "نائب التسهيلات" التي كانت سائدة أيام النظام البائد، ولا تزال مستمرة، للأسف، عقب الثورة، وهي تجعل نائب البرلمان يؤدي في النهاية ما يجب أن يؤديه عضو المجلس المحلي. د - سوء سمعة "مجلس الشورى" لدى النخبة السياسية وقطاع لا يستهان به من الرأي العام باعتباره المؤسسة التي كانت تتبعها "لجنة شؤون الأحزاب" التي منعت على مدار عقود قيام أحزاب سياسية حقيقية يمكنها أن تشكل بديلاً للسلطة القائمة بينما سمحت بقيام أحزاب "كرتونية" شكلت قلادة زينة في عنق نظام فاسد مستبد، وأعطته فرصة ليوهم الرأي العام الدولي بأن في مصر نظاماً تعدديّاً. كما يشرف مجلس الشورى على "المجلس الأعلى للصحافة" الذي يدير الصحافة المصرية، ويعين رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف "القومية" التي نافقت السلطة بإفراط على حساب الارتقاء بمهنة الصحافة وتقوية الوضع المالي للمؤسسات. 2 ـ جاءت انتخابات الشورى هذه المرة في ظل رفض شعبي جارف لاستمرار هذا المجلس على قيد الحياة السياسية. وكان هذا مطلباً واضحاً للثورة، تم وضعه ضمن مطالب أخرى على لوحة عملاقة عُلَقت على إحدى البنايات التي يحتضنها ميدان التحرير. وظل الشعب ثابتاً على موقفه حتى أجريت الانتخابات. وكان وراء المطالبة بإلغاء الشورى أمران أساسيان، الأول هو انخفاض إن لم يكن انعدام صلاحياته، والثاني هو التكلفة المالية التي يستنزفها من الميزانية العامة، والتي فضل الناس أن تذهب لتغطية احتياج آخر حقيقي في مجال التعليم والبحث العلمي أو الصحة أو إنشاء صندوق لتشغيل العاطلين من الشباب عبر تنشيط الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر. وقد ظل مطلب إلغاء هذا المجلس قائماً على رغم أن الإعلان الدستوري الذي صنعه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد استفتاء على تعديل تسع مواد من دستور 1971 أبقى هذا المجلس وجعل أعضاءه المنتخبين وعددهم 180 عضواً يشاركون نظراءهم بمجلس الشعب في اختيار اللجنة التأسيسية التي ستضع دستور البلاد. وفي المقابل استمر تمسك "المجلس العسكري" بمجلس الشورى، ولم يأخذ بعين الاعتبار كل النداءات التي وجهت إليه بإنهاء تواجد هذا الكيان المكلف الهش، والتي تجددت مع الأزمات المتلاحقة التي وقعت على مدار سنة كاملة. ج - اختلف الظرف الاجتماعي والسياسي الذي جرت فيه انتخابات "مجلس الشورى" عن ذلك الذي سبق انتخابات "مجلس الشعب"، فالأخيرة جاءت في ركاب أحداث شارع محمد محمود الملتهبة، وتمكن إعلام السلطة وقتها من ترويج أفكار حول زعزعة الاستقرار واستهداف مؤسسات الدولة وخلق حالة من الفوضى وتردي الوضع الاقتصادي بتوقف "عجلة الإنتاج". وبان للأغلبية الكاسحة أن الانتخابات هي الوسيلة السانحة والسلمية والطبيعية لإنهاء هذا الخطر وحل تنازع الشرعيات الموجود بين "الميدان" و"العسكري" وخلق الاستقرار وفتح الباب أمام دوران عجلة الإنتاج. ونظراً لعدم مشاركة "الإخوان" و"السلفيين" في هذه المواجهة بدا هذان الطرفان في نظر قطاع عريض من الناس مصدراً للاستقرار وموضعاً للثقة ومحلاً لبناء مسار للتعاون مع المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية، وذلك على النقيض مما ظهر عليه التيار الثوري الذي طالب بحلول جذرية وحدية كانت فوق استيعاب الشارع في هذه اللحظة لاسيما بعد التشويه المنظم الذي تعرض له الثوار في ظل خطة "شيطنة الثورة" وتبريدها وتفريغها الممنهج من مضمونها. وقد دفع أنصار كتلة "الثورة مستمرة" ثمن هذا بوضوح، كما دلت النتائج النهائية لانتخابات مجلس الشعب. في موقف معاكس تماماً جاءت انتخابات الشورى في ظرف اجتماعي وسياسي أكثر هدوءاً، إذ لم تلتهب الساحة بفعل "مقتلة بورسعيد البشعة" إلا بعد أن دارت عجلة الانتخابات بالفعل، وبان فيها ضعف إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع، وأصبح هذا الموقف السلبي مثاراً للتندر والسخرية من قبل الناس، لاسيما على شبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية (الفيسبوك - التويتر - اليوتيوب) وفي الرسوم الكاريكاتورية على صفحات الصحف وتعليقات المحللين، وكذلك في نكات وتعليقات الجمهور العادي في برامج الفضائيات.