ما يحدث من انشقاق بين السنة والشيعة هو المرض بعينه، فالروائح غير المريحة تنبثق وتعكر صفاء سمائنا العربية وتلوث بيئتنا الاجتماعية وتدفع بالصراع نحو المزيد من تباعد المسافة بين شرائح المجتمع، فالبحرين تنطلق منها أنفاس مقلقة تدعو لقيام "جمهورية إسلامية"، وتدفع إيران بمزيد من الانشقاق، وتجد الدعوة الانشقاقية القبول في سوريا النظام الذي يعبث بنسيجنا الاجتماعي من خلال الدعاية الكريهة والتحريضية ضد السعودية والبحرين، ويزداد الانقسام في منطقتنا العربية في الوقت الذي تهب فيه رياح التغيير لأجل الإصلاح ودولة القانون. ونحن نعرف أن الإصلاح مطلب في البحرين كما هو في الكويت وكل أقطارنا العربية، إلا أن "الإصلاح" المزعوم في البحرين يريد الإطاحة بالنظام السياسي، فالبعض من عناصر المعارضة البحرينية يدعو لتطبيق النموذج الإيراني مما يجعلنا نواجه المصاعب في تحقيق مطالب الإصلاح التي قبلها الحكم في البحرين من خلال تبنيه لجنة دولية تحقق في أحداث الشغب، وعلى رغم محاولة الحكومة البحرينية في تفهمها لضرورة الإصلاح، إلا أن بعض من يرفع شعار تغيير نظام الحكم يدعونا لأن نفكر بأن الوضع في خطر، لأن استقرار البحرين جزء من استقرار نسيج هذه المجتمعات، ودعوات الإصلاح لا تعني تغيير النظم بقدر ما هي دعوات لصالحها ولصالح شعوبها. وهنا نجد أن التوتر الشيعي السني هو مجازفة ومغامرة لن تنفع ولن تخدم مطالبنا الإصلاحية. كلما زاد الاحتقان في سوريا كلما بحثوا عن متنفس ويجدونه في بلاد الخليج العربي، فيدفعون بمزيد من الشحن بين أبناء الوطن الواحد. نحن لا نختلف في مطالب الإصلاح وإنما خلافنا حول ارتفاع سقفها لبعض من قوى المعارضة البحرينية التي لا تدرك أن النظم السياسية الخليجية قائمة على مبدأ التعاقد الاجتماعي، وأن تغير النظم ليس لصالح الإقليم الخليجي بل يدخل المنطقة في صراعات دولية مدمرة، وهذا ما نريد تجنبه في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا. وكما أن هناك أيضاً من قد يكون وقع عليهم الغبن من إخوتنا الشيعة هناك أيضاً من يعاني كذلك من الغبن من أهل السنة، فالغبن لا يميز بين الشيعة والسنة حيث إن معاناتنا مشتركة لكون الفساد علامة غير محمودة، ونحن نسعى كلنا نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وقيام دولة القانون التي تحمي السني والشيعي وكل أطياف المجتمع. فاليوم نحن أمام مفترق طرق يدفع فيه البعض نحو طريق التدمير الاجتماعي في تصعيده للفرقة وبثه للنفس الخطير ذي النكهة الطائفية مما يستوجب محاصرة مثل تلك الدعوات والعمل بصوت العقل لكي نجنب أنفسنا مخاطر التمزق الاجتماعي. فنحن في الكويت حذرنا مراراً من مغبة الانزلاق وراء من يريد أن يشعل الفتن القبلية والطائفية، وفي الوقت نفسه ننادي على عقلاء المعارضة في البحرين بأن يدركوا خطورة الوضع ولا ينزلقوا نحو اللعبة الطائفية. إن أصدقاءنا في إيران رددوا مراراً الحديث عن مشروعهم الثوري وعبروا عنه عبر وسائلهم الإعلامية وقالوا بكل صراحة إنهم يريدون لنموذجهم أن يعم، وهذا ما رفضناه، ولعلنا اليوم نستنكر جميع الدعوات المشابهة، وندرك أن الصراع يبتعد عن طبيعته، وأن ما يحدث هو تصارع نماذج لا يخدم الإسلام، لأن ديننا يلم ولا يفرق. إننا نقول دائماً إن المخرج لنا جميعاً ينضوي تحت مظلة المواطنة فالمواطنة تعني حكم القانون وتحديد المسؤوليات والواجبات وتقنين علاقة الفرد بالدولة، وإذا ما دفعنا نحو التمزق الاجتماعي فإننا سنخسر الإصلاح ونخسر الوطن معاً.