أظهرت دراسة مسحية أجريت في كل من الهند، وباكستان، وبنجلاديش، وبيرو، وقد أجرتها إحدى المنظمات الخيرية البريطانية، أن ارتفاع أسعار الغذاء حول العالم خلال العام الماضي، اضطر ملايين الآباء في الدول النامية والفقيرة إلى الاستقطاع من كمية ونوعية الغذاء الذي يقدمونه لأطفالهم. وحذرت المنظمة المعروفة باسم منظمة "أنقذوا الأطفال" (Save the Children)، من أن ارتفاعات الأسعار تلك، نتج عنها تدهور في الوضع الصحي لملايين الأطفال، وأدت إلى زيادة معدلات سوء التغذية بينهم، وهو الوضع الذي يهدد بتقويض الإنجازات التي تحققت خلال الفترة الماضية على صعيد خفض الوفيات بين أطفال الدول النامية والفقيرة. كما أن تعرض هؤلاء الملايين لفترات طويلة من سوء التغذية، حتى لو لم يؤدِّ إلى وفاتهم، سيتسبب في إصابتهم بإعاقات جسدية بدنية، وذهنية عقلية، بقية حياتهم. وفي سابقة ربما تكون هي الأولى من نوعها، دعت المنظمة إلى عقد مؤتمر دولي تحت مسمى "قمة الجوع" (Hunger Summit)، أثناء توافد قادة وزعماء الدول على العاصمة البريطانية هذا الصيف، لحضور فعاليات دورة الألعاب الأولمبية الثلاثين. وتأتي هذه التحذيرات لتتوافق مع تحذيرات منظمة الصحة العالمية، بأن سوء التغذية يشكل الخطر الأكبر والأهم على الصحة العامة من منظور عالمي، مع اعتبار المساعدات الدولية الرامية لتحسين نوعية وكمية الغذاء في منطقة أو بلد ما، من أفضل السبل لدرء الأمراض، وخفض نسبة الوفيات، ورفع مستوى نوعية الحياة. وينتج سوء التغذية عن اختلال في كمية أو نوعية الغذاء، أو في بعض مكوناته الأساسية والضرورية، من فيتامينات، ومعادن، وبقية العناصر الأخرى، سواء بالزيادة أو بالنقصان. فعلى عكس الاعتقاد الشائع، لا يقتصر مصطلح سوء التغذية على من يعانون من نقص في المتوافر من الطعام، بل يمتد أيضاً إلى التدهور في نوعية المتاح من طعام حتى لو توافر بكميات كبيرة، كما أنه يطلق أحياناً على الإفراط في تناول كميات الطعام، أو في بعض مكوناته، وهي الحالة التي أصبح يطلق عليها مؤخراً "فرط التغذية" (Overnutrition). وتنتج هذه الحالة التي تظهر أعراضها في شكل زيادة الوزن والسمنة، عن تناول كميات كبيرة من السعرات الحرارية، مقارنة بما ينبغي أن يستهلكه الشخص من هذه السعرات، مع تخزين الفارق في شكل دهون وشحوم. وكما هو معرف يؤدي هذا الاختلال في كمية المتناول من الطاقة، بالنسبة إلى المستهلك منها، إلى العديد من الأمراض، مثل أمراض القلب والشرايين أو داء السكري. وتختلف وتتباين الظروف والمفاهيم المتعلقة بفرط التغذية بين الدول الغنية والفقيرة. ففي الدول الغنية، غالباً ما ينتج فرط التغذية، وما يصاحبه من زيادة وزن وسمنة، من جراء انخفاض نوعية الغذاء، والاعتماد على أطعمة مرتفعة القيمة في السعرات الحرارية، ومنخفضة القيمة في المكونات الغذائية الأخرى الضرورية والأساسية. وهذا السيناريو كثيراً ما تتعرض له الطبقات الاجتماعية الفقيرة في الدول الغنية، التي تعجز مصادرها عن توفير غذاء صحي متوازن، كما أنه يحدث بين الطبقات الاجتماعية الغنية، نتيجة ضعف الثقافة الغذائية، أو النهم الشديد والإفراط. وأحياناً ما تنتج السمنة المرَضية عن الحرمان من النوم لفترات كافية، أو التوتر المزمن، أو عدم ممارسة النشاط البدني بشكل كاف، أو نتيجة صفات وراثية. وهذا الجزء من سوء التغذية الناتج عن الإفراط، يشكل أحد الدوافع خلف تحذير منظمة الصحة العالمية بشأن العلاقة بين سوء التغذية والصحة العامة العالمية، وإن كانت منظمة "أنقذوا الأطفال" تشير في تحذيرها الأخير إلى الجزء الآخر من سوء التغذية، المتمثل في نقص الكمية، أو الانخفاض في النوعية، فيما هو متوافر من طعام لشعب أو مجتمع ما. فالمسح سابق الذكر الذي أجرته إحدى الوكالات المتخصصة، "جلوب سكان" (Globescan)، نيابة عن منظمة "أنقذوا الأطفال"، أظهر أن حوالي ربع مليار من الآباء في الدول الخمس التي شملها المسح، قد اضطروا إلى إجراء استقطاع من كمية ونوعية الغذاء الذي يقدمونه لأطفالهم، بالإضافة إلى أن ثلث الآباء الذين شملهم المسح قد صرحوا بأن أبناءهم يشكون مراراً من قلة الطعام، كما أن واحداً من كل ستة من هؤلاء الآباء، قد اضطر إلى إخراج أبنائه من المدارس، وقطع تعليمهم، حتى يعملوا في أعمال يدوية لا تتطلب مهارات، للمساعدة في شراء الطعام. ومثل فرط التغذية يؤدي أيضاً سوء التغذية الناتج عن نقص كمية وانخفاض نوعية الطعام إلى حزمة متنوعة من الأمراض والعلل، ربما كان أخطرها هو زيادة القابلية للتعرض لأنواع العدوى، وخصوصاً العدوى بميكروب السل، وتحول حالات العدوى الكامنة منه إلى حالات نشطة. ويعتبر نقص الفيتامينات، من أهم مضاعفات سوء التغذية، سواء في حالات الفرط أو النقص، مثل نقص فيتامين (D) الذي ينتشر حاليّاً بين أفراد أغنى شعوب العالم، أو نقص فيتامين (C) الناتج عن عدم تناول الخضراوات والفواكه بكميات كافية لفترات طويلة. وللأسف تؤدي الأمراض والعلل الناتجة عن سوء التغذية، وبشكل أكبر في الدول الفقيرة، إلى كم هائل من الوفيات، وخصوصاً بين الأطفال، مما يهدد بتقويض ما تم تحقيقه في هذا المجال، حيث انخفضت الوفيات بين هذه الفئة العمرية من 12 مليوناً سنويّاً إلى 7,6 مليون حاليّاً. وهؤلاء الملايين من الممكن إنقاذ أرواح جزء كبير منهم، من خلال مكافحة أسباب سوء التغذية، سواء كان ارتفاع أسعار الغذاء أو غيره من الأسباب.