في روايته "الحب لا يفنى ولا يُستحدث من عدم" يزاوج الكاتب وليد الرجيب بين بطلي روايته (سالم وشيخة) العائشين في الزمن الحاضر وبين الشاعر "جون هوبكنز" وحبيبته "ربيكا" ابنة السير "سلفرثورن" في رحلة "معراج" بين الزمنين. ولكأن الكاتب يقيم علاقة شعورية بين الأبطال الأربعة، حيث يكتشف سر الانفتاح اللامحدود الذي تمارسه (شيخة) بنت بلده، لينهي الرواية بكلمة "سحقاً" مترجمة مني بلطف -بعد أن شاهدها في حضن رجل له كرش كبير وكانت تقبّله ، حيث تخلى سالم عن فكرة الاقتران بها. لن أغوص في تحليل موضوعي أو فني للرواية، فذلك شأن آخر! ولكن فكرة تزاوج الزمنين ومقارنة شخوصهما -ولكأني ببطلي الرواية الحاليين يمارسان نفس تصرفات البطلين السابقين اللذين عاشا في القرن الثامن عشر، أمر يستحق التفكير! فالرواية تتحدث عن العودة إلى حياة سابقة، وهو علاج مؤثر لمعالجة جروح الماضي، كما يقول المؤلف. والفكرة هنا أن بعض زعماء العالم العربي -ممن لفظتهم شعوبهم- بحاجة إلى هذا العلاج النفسي، بحيث يمكن إرجاع الواحد منهم إلى عهد الخلفاء الراشدين، واستحضار صدق الصديق، وعدل عمر، وعقل عثمان، وبلاغة علي، رضي الله عنهم جميعاً. كما يمكن تحضير جلسات هذه المعالجة النفسية للقيام برحلة إلى عهود النهضة الأوروبية، كي يشاهد الحضور كيف نقل العقل الأوروبي الناضج الحوار من ساحة المقاصل والمقالع والرماح إلى قبة البرلمان، وآمن المجتمع بحتمية التغيير وبقيمة الإنسان التي كانت مرهونة لدى كبار المُلاك والنبلاء! إن الجلسة لن تكلف أولئك الزعماء شيئاً، وهي أفضل بكثير من "شحططة" مبارك على السرير من سجن إلى سجن ومن محكمة إلى محكمة! أو "بهدلة" القذافي وفراره مثل "الجرذان" من جُحر إلى جُحر، أو من ملاحقة الموت لعلي صالح، بعد أن جاءهُ الإنذار الأول في المسجد. المصيبة أن لهؤلاء آذاناً لا يسمعون بها وأن لهم عيوناً لا يبصرون بها، وتأتي الفكرة مع وجود "السكرة"، وهذا يخلط الموازين ويربك القرار. واليوم يبدو أن الرئيس السوري ابحاجة إلى جلسة من تلك الجلسات، إذ بدلاً من أن يُزين له من حوله تقمّصَ شخصية هولاكو أو جنكيزخان أو بينوشيه أو ماركوس، يجدر بهم أن يقترحوا عليه استحضار شخصيات مثل عبدالرحمن سوار الذهب -الذي ترك الكرسي بكل هدوء، ونال احترام العالم بدون الكرسي، ولم ينل مَن جاءوا بعده ما ناله الرجل. أو شخصية مثل مارتن لوثر كينج أو صلاح الدين الأيوبي -وهو الأقرب للجغرافيا السورية- الذي حرّر القدس، وحافظَ على سلامة الثغور! يا للمفارقة... منذ عشرات السنين نسمع عن تحرير القدس، وعن المكابرة -التي تم إلهاءُ الشعب العربي بها- لرفض آثار العدوان وتحرير كامل التراب العربي المحتل، والثأر للكرامة العربية المهدورة. هذا ما كنا نسمعه من بعض كبار الزعماء العرب الذين قادوا المعركة ضد إسرائيل! وللأسف، لم ينجحوا قدر ما نجحوا في تقتيل شعوبهم والتنكيل بالأبرياء المطالبين بالحرية والكرامة الإنسانية. إن الشواهد السورية على الأرض تجعلنا نتألم لكيفية تفكير السلطات السورية في مستقبل الشعب السوري، هذه هي الكذبة الكبرى التي عاش الشعب العربي يقتاتها وَهْماً! وهي تكبر وهو يمرض.. هي تتأصل وهو يتلاشى تماماً كما فعل القذافي وترك الأرض "بلقعاً" وظل يهرب من حفرة إلى حفرة في الصحارى الليبية. القائد الشجاع يجب أن يواجه أيام الشدّة كما هو الحال في أيام الرخاء، ويكون رجلاً عند اهتزاز العرش، حتى يحفظ له التاريخ اسمه، هذا إن كان التاريخ بحاجة لهذا الاسم، ولكن أن يتقمص الحاكم العربي شخصية "نيرون" ويهدم بلاده بلا وعي وبلا ضمير، فتلك مصيبة كبرى، لابد من أن يدرسها علماء النفس. ولذلك، فإن هؤلاء الزعماء يحتاجون -كما فعل البطل سالم في الرواية- إلى العودة إلى الماضي والتحاور مع سابقيهم ممن حاولوا زرعَ البسمة وأشاعوا الأمان في حاراتهم، وعاشوا سعداء وأسعدوا من حولهم، وتخلصوا من عقدة الكرسي التي لم تجلب لهم إلا المزيد من الذعر والمزيد من كوابيس النهار، وتوقع الرصاصة الأخيرة كل لحظة من لحظات حياتهم. صدقوني، لو حاول "البقية" هذا العلاج الجميل لعاشوا أكثر، ولسعدوا وأسعدوا شعوبهم ولاحترمهم العالم. ولكن للأسف، البعض لا يسمع إلا كلمته، ولا يرى إلا صورته في الإطار، ولقد تقمصّ صورته وعقله بطريقة "القطع واللزق" دون التفكير في واقع الأحداث وصيرورة الزمن. وهذا التصرف يحول دون استحضار النظير الإيجابي والصالح! د. أحمد عبدالملك أكاديمي وإعلامي قطري