الخميس الفائت كان بعضهم يقول: إن لم تأتِ خطبة الجمعة على ذكر مأساة الشعب السوري، فإننا سنصلي الجنازة على الخطبة. والحمد لله أن الخطبة لم تتناول الوضع السوري، فالدخان الذي يتصاعد من القلوب بسبب معاناة السوريين جراء جرائم نظامهم يجب ألا يصبح سُحباً تحجب عنا الرؤية. منذ توحيد خطب الجمعة وهناك تململ لدى بعض الناس، وزاد هذا التململ مع قدوم "الربيع العربي"، فليس مقبولاً عندهم أن يثور شعب مسلم، أو يتعرض لمجازر، بينما خطيب الجمعة يتحدث عن النظافة في الإسلام أو برّ الوالدين. والسؤال الذي لا أدري لِم لا يتبادر إلى أذهانهم: إن فُتح الميكرفون اليوم للحديث عن فظائع النظام في سوريا، فهل سنفتح الميكرفون نفسه غداً إن سقط النظام وأتى نظام آخر وراح يرتكب ممارسات لا تمت للإسلام بصلة؟ وهل للـطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السوري علاقة بالأمر، فنخطب اليوم ضد نظامه، وغداً إن جاء نظام على هوانا ونكّل بمعارضيه نشن حملة مضادة نقول فيها: لو أتت خطبة الجمعة على ذكر مأساة ضحايا النظام الجديد، فإننا سنصلي الجنازة على الخطبة؟ ولو افترضنا أن خطباء الجمعة كانوا قد تناولوا القمع الذي مارسه النظام المصري السابق بحق الثوار قبل تنحي مبارك، فهل كان من الجائز الآن السكوت عن الذي يجري هناك؟ أليس من حق المصلين، بهذا المنطق، أن يشعروا بمعاناة المصريين المستمرة، سياسياً، وأمنياً، واقتصادياً، وثقافياً أيضاً، ثم يرفعوا أكفهم بالدعاء على الظالم، والدعاء للمظلوم، اللذين لا نعرفهما بالضبط؟ ألا تكون في هذه الحالة خطبة الجمعة كرة في ملعب السياسة، وهو ملعب اللعب فيه غير نظيف، وشروط اللعب فيه تتغير من فترة إلى أخرى؟ ألا تكون الخطبة مجرد انتصار للمظلوم إن كان من فئة معينة، والسكوت عنه إن دارت الأيام وظلم؟ وإذا تحدث خطباء الجمعة عن مأساة السوريين، أليس الإنصاف يدعوهم ليتحدثوا في الجمعة التي تليها عن الأوضاع في الكويت والصراع الطائفي والقبلي المشتعل هناك؟ وعن الأوضاع في البحرين، سواء من وجهة نظر الحكومة وجزء من الشعب، أو من وجهة نظر المعارضة وجزء من الشعب؟ أليست كلها دول إسلامية، والمأساة إسلامية، والصراع بين مسلمين؟ وليس هناك خطيب سيحذر المصلين من النظافة أو يدعوهم لعقوق الوالدين، لكن ماذا عن الخطب التي تتناول أوضاعاً متغيرة في الساعة الواحدة أحياناً؟ ماذا لو كان أحد الخطباء لا يتزحزح من أمام شاشة القناة الفضائية السورية مثلاً، ويرى عكس ما نراه، اقتناعاً منه بوجود مؤامرة مثلاً، على الأقل كان يصدّق ما يقوله مفتي الجمهورية، فهل سنرغمه ليقول كما نريد؟ أم سنتركه يعيد إنتاج ما سمعه من المفتي السوري؟ والخطباء مثلهم مثل المصلين، ليسوا جميعاً أتباع مدرسة فقهية واحدة، وفي المسألة الواحدة يختلف الرأي بين هذا التيار وذاك، ويختلفون في كل شيء تقريباً، فخطيب يرى العمليات الاستشهادية انتحارية، وآخر يرى أنها قمة الشهادة، وثالث لا يدري ما يقول، فهل نتركهم ليخوضوا في هذه الأمور لتشتعل صدور المصلين ويبدأوا في تبادل اللكمات؟ المأساة التي يعيشها السوريون لا تُحتمل، لكن من يريد أن يعبّر عن مساندته، يستطيع أن يتحرك في مواقع التواصل الإلكتروني، ويتصل بالفضائيات، ويتبرّع، ويدعو لهم، وكتب أحدهم رداً على عدم تأدية قنوت النوازل في المساجد بالقول: يسألون الإذن بالقنوت، هل هي كنيسة وكهنوت، الرب فيها لا يصله دعاؤك إلا عبر رجل تقف خلفه؟ اشرع يديك وذلل قلبك، واسأله سبحانه حيث كنت.