هناك 100 سيدة يحكمن العالم بحسب القائمة المئوية لمجلة "فوربس" الأميركية على رأسهن المستشارة الألمانية "ميركل"، أي أن الكرة الأرضية تحت سيطرة الكعب العالي، ومع ذلك لم تستطع، من بين المرشحات الكويتيات الـ23، أن تفوز مرشحة واحدة بالكرسي الأخضر تحت قبة عبدالله السالم، مقارنة بأربعة مقاعد فازت بها المرأة الكويتية في انتخابات عام 2009. جاءت هذه النتائج صادمة ومخيبة لآمال الكثيرين ممن توقعوا فوز الكويتية بـ3 مقاعد في انتخابات "الأمة" لعام 2012. وقد كنت في الكويت في فترة الحملات الانتخابية الصاخبة وسمعت محللين كثيرين كانوا يرجحون هذا الفوز، لكن الشعب الكويتي قال كلمته وانتخب مجلساً ذكورياً خالصاً لا مقعد فيه للعنصر الناعم. هناك من يحمِّلون "الربيع العربي" مسؤولية هذا الإخفاق النسائي، باعتبار أن هذا الربيع حمل إلى السلطة تياراً إسلامياً أيديولوجياً لا يُرحِّب بالمرأة في العمل السياسي أو البرلماني، الأمر الذي أصبح ظاهرة ملفتة للنظر في كافة دول "الربيع العربي"، طبقاً لتحليل شاكر النابلسي الذي يرى في تراجع نتائج انتخابات المرأة في الكويت، تزامناً مع صعود التيار الديني، وهي ظاهرة لم تتوقف عند حدود الكويت، ففي مصر لم ينجح سوى عدد قليل جداً من المرشحات في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة رغم إلزام القانون للأحزاب بوضع مرشحة واحدة على كل قائمة انتخابية، وفي المغرب فازت المرأة بـ34 مقعداً من أصل 395 مقعداً في البرلمان المغربي، وذلك بالرغم من تطبيق نظام "الكوتا" جزئياً، عبر تخصيص مقاعد محددة للمرأة، أما تونس فقد شكلت استثناءً عربياً وحيداً إذ حصلت المرأة على ربع المقاعد بفضل الضوابط القانونية للترشح التي ألزمت الأحزاب بوضع المرشحات في ترتيب متقدم كما يقول النابلسي. الآن هل يُلام "الربيع العربي" في انتكاسة وضعية المرأة السياسية في المجتمعات العربية؟ وهل هو المسؤول عن غياب المرأة الكويتية عن مجلس الأمة وفوز المعارضة الإسلامية؟ هناك محللون آخرون منهم مأمون فندي الذي يؤكد أن لا علاقة لـ"الربيع العربي" ولا سيطرة الإسلاميين على المشهد السياسي في مصر وليبيا وتونس بانتخابات الكويت، لا بعدم فوز المرأة ولا بصعود الإسلاميين في الكويت، على أساس أن الانتخابات في الكويت حرة منذ عام 1961 بخلاف انتخابات تونس ومصر إذا استثنينا الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها الإسلاميون، فالانتخابات الحرة في الكويت ليست شيئاً جديداً، ثم إن الإسلاميين في الكويت (إخوان وسلف) كانوا يتقدمون ويتأخرون في الانتخابات السابقة بحسب ظروف تغيرات المجتمع، وقد فاز "الإخوان" في انتخابات عام 2006 بأكبر عدد من المقاعد ولم يكن هناك ربيع أو خريف عربي. وفيما يتعلق باختفاء المرأة عن البرلمان الكويتي، فلكل مرشحة فشلت في الانتخابات، أسبابها على حدة، فضلاً عن أن العديد من الناخبات عبّرن عن خيبة أملهن في البرلمانيات السابقات وأردن تجديد الوجوه القديمة. ومهما يكن من أمر هذا الجدل فيما يتعلق بانتخابات الكويت وتأثرها بأمواج مد "الربيع العربي"، إلا أن الملاحظ على المشهد السياسي العام أن دور النساء في الحكومات والبرلمانات العربية قد تراجع، وأن تمثيلهن في المناصب القيادية وفي مواقع القرار، قد ضعف. هناك "رِدَّة" عامة عما تحقق للمرأة من مكاسب وحقوق، وخرق للدساتير والتشريعات المنصفة للمرأة، ولعل هذا ما دفع المغربيات اللاتي كن يشغلن في الحكومة السابقة 7 حقائب وزارية إلى مطالبة حكومة بن كيران التي تشغل المرأة فيها حقيبة وزارية واحدة، بإنصافهن طبقاً للدستور القاضي بتحقيق المناصفة بين الجنسين، وأيضاً كان هذا من ضمن دوافع عقد مؤتمر "المرأة والربيع العربي" في بيروت للمطالبة بحماية مكتسبات المرأة العربية ودعمها في ظل حكومات "الربيع العربي" التي يهيمن عليها الإسلاميون. وقالت وزيرة الشؤون الاجتماعية في لبنان: "أتمنى ألا يكون الربيع العربي خريفاً للمرأة العربية، فالثورات التي قامت ضد التعسف والظلم، لا يمكن أن تستبدل الحكام الآلهة بالرجال الآلهة". وعودة إلى ما حصل في انتخابات الكويت، فإن التساؤل يظل مطروحاً: كيف يتصور في دولة عدد الناخبات فيها أكبر من عدد الناخبين، ألا يوجد في برلمانها العريق مكان لامرأة مع أنها حصلت على 4 مقاعد في عام 2009؟ هل تتطور وضعية المرأة أم تنتكس؟ وهل يتطور وعي المجتمع الكويتي بأهمية دور المرأة التشريعي والسياسي أم يتراجع؟ الكاتب الكويتي خليل حيدر، يشير إلى عدم تطور الوعي السياسي والاجتماعي للمجتمع الكويتي، وأن ما حصل من وصول أربع نساء في البرلمان السابق، مجرد صدفة، بينما رأى الدكتور شملان العيسى أن "تخاذل المرأة الناخبة في مساعدة أختها المرشحة" هو العامل الأبرز في عدم نجاح المرأة. وهناك من أشاروا إلى "المزاج" العام للشعب الكويتي هذه السنة، باعتباره المسؤول عن هذا الإخفاق، وقالوا إن الكويتيين أرادوا مجلساً ذكورياً خشناً ومتشدداً لمواجهة الحكومة المقبلة وبهدف تطهير الأجهزة والمؤسسات من آفة "الفساد" المستشرية ومحاسبة المفسدين بمن فيهم بعض النواب السابقين الذين حامت حول أرصدتهم الشبهات، وكأنهم يريدون مجلساً من الفرسان المحاربين الأشداء، وهذه مهمة لا تناسب طبيعة المرأة. وهناك من أشاروا إلى ضعف خبرة المرأة في فن التكتيك الانتخابي من حيث عقد الصفقات وإجراء المساومات والعمليات التنسيقية بين المرشحين وغياب حملات التسويق للمرشحات. ومهما كانت الأسباب والعوامل المعوقة أمام وصول المرأة للبرلمان، إلا أن الملاحظة التي يجمع عليها المراقبون والتي أثرت على الناخبات والناخبين، هي تلك الحملة الظالمة والشرسة التي استهدفت أداء البرلمانيات الأربع في المجلس السابق واتهمتهن بالضعف وموالاة الحكومة السابقة على طول الخط بهدف تقليل فرص نجاح المرأة، وهي تهمة ظالمة، لكن كان لها أثرها السيئ في المخرجات الانتخابية.