ما أبرز خطوط وخيوط تطور تاريخ العالم الإسلامي كما يراها "السلفيون" من الجماعات الإسلامية؟ الشيخ حمدي بن عبدالمجيد بن اسماعيل السلفي، من "سرسنك" بكردستان العراق، أدلى برأيه ونصائحه لبقية الجماعات الإسلامية كالإخوان المسلمين وغيرهم. ولكنه قبل أن يقدم نصائحه الثمينة، طاف بهم وبالقارئ عبر قرون التاريخ الإسلامي ملخصاً الدسائس والمؤامرات التي توالت على الإسلام والمسلمين ولا تزال، وكانت تلك مساهمته في مشروع كتاب "نصائح وتوجيهات المفكرين وعلماء الإسلام للجماعات والأحزاب الإسلامية"، الذي أعده الأستاذ نظام سلامة، وصدر في عمان بالأردن عام 1999. والآن كيف يلخص الشيخ حمدي بن اسماعيل السلفي تطور التيار الإسلامي منذ البداية.. حتى اليوم؟ يقول إن المدينة المنورة كانت قبل الهجرة النبوية "بؤراً لليهود القوم البُهْت"، أي الجماعة المندهشة المأخوذة بالحجة، فنقول بَهٍتَ الرجل بَهْتاً، أي أُخذ بالحجة، فشحب لونه (قاموس الوسيط). وبعد الهجرة انضم اليهود إلى المشركين في مكة وغيرها لمحاربة الدعوة، ثم انضم إليهم المنافقون الذين قضت الهجرة على مصالحهم وزعاماتهم. ولكن الدعوة انتصرت وانتشرت في الجزيرة العربية وخارجها. وفي زمن الراشدين، "اختير عثمان ذو النورين خليفة بتعيين أصحاب الحل والعقد له، فلعب اليهود في شخص عبدالله بن سبأ لعبتهم لشق وحدة المسلمين تحت شعار موالاة ومحبة آل البيت، كما فعل بولس بالنصارى. ونجح هذا الماكر في ضرب وحدة المسلمين، فقام أتباعه بقتل الخليفة ذي النورين، وجرى ما جرى بين أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأصحاب معاوية بن أبي سفيان، وأصبحت الخلافة ملكاً عضوضاً، وانقسم المسلمون إلى سنة وشيعة". ولا شك أن هذا تلخيص مشوه مخل للقرن الهجري الأول وطبيعة المشاكل السياسية والدينية والصراعات التي نشبت في تلك المرحلة، ولا يقعل أن تكون كل تلك الأحداث قد توالت من حرب الجمل إلى حرب صفين إلى أحداث "الفتنة الكبرى" وفق المخط الذي وضعه "عبدالله بن سبأ"، اليهودي القادم من اليمن. ما الذي مزق الفكر الإسلامي؟ يجيب الداعية السلفي أنه "في عهد المأمون عُربت كتب الفلسفة، وانتشرت الفلسفة اليونانية، فقام جهم بن صفوان بدعوته، وافترق المسلمون إلى فرق ونحل ومذاهب. ثم دخلت الفلسفة الهندية، وانتشر التصوف في البلاد الإسلامية، والتفّ حول الفلسفات الجديدة على الإسلام كثير من الذين اشتغلوا بالفلسفة، وكذلك انتشر الإلحاد عن طريق الفلسفة والتصوف بين المسلمين، وظهر من ينافح عنهما. و"جهم بن صفوان" الذي يذكره الشيخ السلفي، وتهاجمه السلفية عموماً، تقول عنه المراجع أنه من أهل خراسان من الموالي، أقام بالكوفة وكان فصيحاً يدعو الناس فيجذبهم إلى قوله. ويعد على رأس طائفة الجبرية التي تسمى "الفرقة الجهمية". وتضيف المراجع أنه كان يقول إن الإنسان مجبور لا اختيار له ولا قدرة، وإنه لا يستطيع أن يعمل غير ما عمل، وأن الله قدر عليه أعمالاً لابد أن تصدر منه، كما تحدث في قضية خلق القرآن وطالب بتأويل بعض الآيات، فنشط الكثيرون في الرد عليه ولا يزالون. غير أن الشيخ حمدي السلفي يختصر الأمور ويسطحها بخصوص الفلسفة والتصوف. ويقول الشيخ حمدي إن "أعداد الإسلام" من العبيديين -أي الفاطميين- والنصيرية - وهم بعض الإسماعيليين، استغلوا توجه الصليبيين إلى بيت المقدس فأعانوهم وكانوا لهم أدلاء. وكذلك "تعاون المجرم ابن العلقمي قبل ذلك مع هولاكو فاحتل بغداد". ثم تفرق المسلمون إلى دويلات وولايات "يأكل القوي الضعيف، واستغل أعداء الإسلام هذه الرقدة فاستحلوا بلاد المسلمين واستعمروها ووضعوها في قبضتهم"، ويقفز الشيخ قفزة أخرى في تحليله السياسي العقائدي السلفي لعلل تأخر العالم الإسلامي، فيقول عن تأثير الفلسفة والتصوف: "تعددت الطرق، وتفرعت طرق من طرق، فأصيب العالم الإسلامي بسبب انتشار تلك الطرق ببلايا ومآس. وانتسب حكام المسلمين إلى تلك الطرق فأصبحوا مريدين لهؤلاء المشايخ. وبسبب تعصب الناس لتلك الطرق كفر بعضهم بعضاً، وانشطر من تلك الطرق مذاهب خارجة عن الإسلام، مثل القاديانية والدرزية والنصيرية والإسماعيلية والبابية والبهائية وغيرها، وأصبح رؤساء تلك النحل والطرق الأخرى عملاء للمستعمرين، يدلونهم على عورات المسلمين، ويتعاونون معهم إلى يومنا هذا". ولكن حتى لو افترضنا أن بعض ما يذكره الشيخ حمدي كان من بين أسباب تخلف أو انحدار العالم الإسلامي، إلا أنها كما هو معروف، لم تكن الأسباب الرئيسية، والتي تمثلت بجمود الاقتصاد في العالم الإسلامي، وعدم تطور العلوم التكنولوجية، ومحاربة التعصب الديني للأفكار الجديدة، وحدوث الكثير من الاكتشافات الجغرافية التي أغنت أوروبا، وأبعدت طرق التجارة عن العالم الإسلامي، ثم اكتشاف العالم الجديد وتدفق الذهب، وتدهور العملة في الدولة العثمانية، وعدم قدرتها على منافسة العلوم العسكرية الأوروبية...إلخ. ولعل أهم ما ينقص تحليل الشيخ حمدي لمسار التاريخ الإسلامي، هو سكوته عن إلغاء الشورى والديمقراطية في الحياة السياسية منذ منتصف القرن الهجري الأول! وتحول النظام الإسلامي بعد عهد الخلفاء الراشدين إلى نظم وراثية.. حتى القرن العشرين! فمن المسؤول عن هذا الانحراف الهائل في المسار الذي دام نحو 14 قرناً؟ وكيف سكت الفقهاء وعامة المسلمين عنه؟ ويتناول الشيخ حمدي السلفي بعض شخصيات الحركة الإسلامية في القرن العشرين كالأفغاني والشيخ عبده ومحمد رشيد رضا، الذي "كان له الدور البارز في الدعوة إلى مذهب السلف من خلال مجلة المنار". ويقول عن رشيد رضا إنه "كان أعلم بالحديث من شيخه محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، فانتشر مذهب السلف، وأصبحت محاربته الشغل الشاغل للصوفية والمقلدين الجامدين في كل من مصر والهند وسوريا والعراق وغيرها). ولا يشير الشيخ حمدي إلى الأسباب التي أثارت كل هؤلاء ضد السلفيين! وهو يشير إلى "المقلدين الجامدين"، وهو في الواقع يعني كل العالم الإسلامي تقريباً، من سنة وشيعة، ممن يقلدون أئمة المذاهب الأربعة أو مجتهدي الشيعة! ويطالب الشيخ حمدي المسلمين لدى اختلافهم ونزاعهم بأن يردوا الأمر إلى الله وإلى الرسول، أي الكتاب والسنة، "فإذا صفت النيات فالاتفاق سهل". ولكن حتى الجماعات السلفية في دول إسلامية عديدة منقسمون، وفي الكويت والسعودية والبحرين وربما في كل دولة جماعتان سلفيتان أو أكثر، كل منها يتهم الجماعة الثانية بالانحراف وسوء فهم معاني الآيات وعدم تدبر السنة! ختاماً، لدى الشيخ حمدي 17 نصيحة واقتراح للجماعات والأحزاب الإسلامية، نعرض بعضها للقراء تاركين لكم تقييمها والنظر فيها. يطالب الشيخ السلفي هذه الجماعات بترك الولاء للأشخاص والأحزاب والحركات، وبأن يكون الولاء للكتاب والسنة، وبترك العداء لدعاة الكتاب والسنة -أي السلفيين، والتركيز على تصحيح العقيدة في توحيد الألوهية والربوية وتصفية العقيدة والفقه والأخلاق من البداع والخرافات. ويطالب كذلك بتربية النشء الجديد، والابتعاد عن التأويل المذموم وفهمها على نهج السلف الصالح، والاهتمام بدراسة الكتاب والسنة. ويحذر الشيخ من الأساليب الميكيافيلية لدى الجماعات الإسلامية، فيطالبهم بالابتعاد عن التبرير والاستدلال بمصلحة الدعوة أو مصلحة الصحوة في المسائل العقائدية والفقهية والسياسية، "لأنها ليست دليلاً شرعياً، بل هي لضرب الأدلة الشرعية اختُرعت". وينادي الشيخ بضرورة فتح مراكز للدعوة الإسلامية، وبأن تكون "بعيدة عن الدعوة الحزبية"، وبنشر وتوزيع الكتب والمجلات السلفية، وعقد المؤتمرات الدورية لبحث الأمور المستجدة بشكل دوري. ويدعو الشيخ حمدي إلى دراسة الوضع الاقتصادي للمسلمين في جميع أنحاء العالم في ضوء الكتاب والسنة، وفتح المشاريع التنموية في البلدان الفقيرة. ويلح على تنقية السنة النبوية من الأحاديث الضعيفة والموضوعة. أما أغرب ما يطالب به الشيخ السلفي فهو دعوته العجيبة إلى "محاربة العقلانية في تفسير الكتاب والسنة، وفي تصحيح وتضعيف الأحاديث، دون الرجوع إلى القواعد التي وضعها أئمة ونقاد الحديث"! كما يدعو إلى "الابتعاد عن تحكيم العقل في مسائل العقيدة والشريعة، فالشريعة هي الحاكمة لا العقل المزعوم، إذ العقول تختلف"! هذه المقترحات، يقول الشيخ، "هي خطوة أولية، أو مفتاح للحل الذي نرغب فيه لتوحيد كلمة المسلمين، ورفع الخلاف والشقاق بينهم". ولكن كيف يتحقق هذا التوحيد إن حارب المسلمون العقلانية؟! خليل علي حيدر كاتب ومفكر - الكويت