"إن المرء يشم رائحة الموت في كل مكان"، هكذا قال ناشط مصاب الأسبوع الماضي، واصفاً مدينة حمص السورية، حيث قام نظام الأسد بصب جام غضبه على سكانها. الفظاعات في حمص ومدن أخرى تزداد، لكن المعارضة لم تتراجع. غير أن شجاعتها لا تكفي: فرغم عام تقريباً من الاحتجاجات والتقارير الدورية حول السقوط الوشيك للأسد، فإن الرئيس السوري مازال في السلطة. الجامعة العربية حاولت رعاية تسوية تسهِّل للأسد الخروج، لكنها فشلت رغم أنها قد تعيد الكرة مرة أخرى. وجزء كبير من العالم وافق على فرض عقوبات على سوريا، لكن تأثيرها الاقتصادي حتى الآن لا يكفي لإقناع أنصار الأسد بالتخلي عن النظام. وبينما تزداد حصيلة القتلى والجرحى، بدأت المعارضة السورية تطلب المساعدة. لكن ماذا يمكن للولايات المتحدة فعله؟ المعارضة السورية كانت في البداية متحفظة وحذرة في طلب مساعدة أميركية، لكن مع ازدياد وتيرة العنف أصبحت أكثر انفتاحاً على المساعدة الخارجية، حيث بدأت تطلب "الحماية الدولية"، ودعت بنبرة حزينة هذا الشهر "الجميع عبر العالم إلى التحدث والقيام بشيء ما لوقف إراقة دماء السوريين الأبرياء". بل إن البعض في المعارضة بدؤوا يدعون إلى تدخل دولي على غرار ما حدث في ليبيا. غير أنه حتى يكون ذات قيمة وفائدة، يتعين على أي تدخل أن ينهي إراقة الدماء، أو على الأقل أن يحد منها بشكل كبير؛ لكن يجب في الوقت نفسه أن تظل سوريا دولة سليمة وقادرة على مراقبة حدودها، ووقف الإرهاب، وتوفير الخدمات لشعبها. كما يجب ألا تتحول إلى دولة فاشلة، أو أن تستبدل الأسد بدكتاتور آخر، أو أن تصبح بيدقاً لقوى أجنبية مثل إيران. ومثلما تُظهر التدخلات الأميركية الأخيرة، فإن الولايات المتحدة يمكن أن تساعد وتسهم في الدفع بالحرية وبمصالحها في الشرق الأوسط، ولكنها أيضا قد تزيد الطين بلة، أو تواجه نتائج غير متوقعة. غير أن هذه الأمور ينبغي ألا تشكل ذريعة للوقوف موقف المتفرج بينما يرتكب الأسد مذابح بحق شعبه، بل ينبغي أن تشكل ملامح الطريقة التي سيرد بها العالم على ما يجري في سوريا. إن سوريا ليست ليبيا. وعلى الأقل، فإن الناتو لن ينفذ عملية قصف هناك. فقد أوضحت روسيا والصين معارضتهما لذلك، حيث صوتت ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يطالب الأسد بالتنحي وبسحب قواته من المدن. وبغض النظر عما ستقرر الولايات المتحدة القيام به، فإنه لن يعني سوريا فحسب، بل سيعني روسيا وإيران أيضاً، وهما بلدان يمدان الأسد بالدعم العسكري. وإذ لم يتوافر القذافي في ليبيا على أصدقاء، بعد أن استعدى الجميع، فإن التدخل العسكري الغربي في سوريا لن يؤدي إلا إلى زيادة تعلق موسكو وطهران بالأسد. ثم إنه علينا أن نتذكر أنه عندما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق، سارع جيران هذا البلد نحوه؛ حيث قامت إيران بإرسال موظفين استخباراتيين وشبه عسكريين من أجل تنظيم السكان المحليين وفي بعض الأحيان محاربة القوات الأميركية. وفي سوريا، يمكن أن تسعى إيران، وبتعاون مع "حزب الله"، إلى تقديم المساعدة للأسد، أو في حال سقوطه لأي حلفاء ناجين من النظام. ومن أجل تقليص هذه الأخطار، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها بناء المعارضة السورية وجعلها جسماً متماسكاً وتمثيلياً وشرعياً. ذلك أن معارضة أقوى تزيد من احتمال سقوط الأسد، وتضع أميركا في وضع أفضل في حال وقوع ذلك. بل إن بناء المعارضة قد يكون أكثر أهمية بالنسبة لمستقبل سوريا والمصالح الأميركية من التركيز على خلع الأسد كهدف وحيد. ومن الناحية العسكرية، يتعين على المعارضة أن تثبت أنها تتمتع بما يكفي من الكفاءة للوقوف في وجه دبابات الأسد ومدفعيته، وهي مهمة صعبة بالنسبة لمقاتلين غير مدربين ومسلحين بأسلحة خفيفة. ولعل الأهم من ذلك هو حاجة الحركة إلى الوحدة. وبموازاة مع توحيد صفوفها وتنظيمها، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل وتتعاون مع حلفائها من أجل تسليح المعارضة وتدريبها. فمع تركيا والسعودية وآخرين، يتعين على الولايات المتحدة أن تشكل جبهة منسجمة ومتماسكة؛ باستعمال "الحب الصارم" لاستمالة المعارضة ومكافأتها على الوحدة والتعاون. إن سوريا ليست سوى أحدث نظام تهزه الانتفاضات العربية التي جلبت الحرية والابتهاج، لكن أيضاً القمع والطغيان. غير أن النجاح في سوريا يمكن أن يكون أكثر أهمية بالنسبة لأميركا من بلدان أخرى. فالحكومات الأخرى، بما فيها نظام القذافي، كانت حلفاء لواشنطن بدرجات متفاوتة. وعلاوة على ذلك، فإنه لا يوجد نزاع استمر طويلاً، مثل النزاع السوري حيث لا تلوح نهاية لإراقة الدماء في الأفق. والحال أن الفشل في سوريا سيشكل انتكاسة لمصالح الأمن الأميركي، وسيوجه ضربة للديمقراطيات الفتية في أماكن أخرى من المنطقة. وبذلك، يستطيع الحكام المستبدون أن يكونوا واثقين مرة أخرى من أن القوة ستنتصر في الشرق الأوسط. دانييل بايمان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ بجامعة جورج تاون، ومدير البحوث بمركز "سابان" لسياسة الشرق الأوسط