إن ما يشهده العالم من تقدّم اقتصادي وتنموي في الوقت الحالي ليس إلا تجليّاً من تجليات الإبداع والابتكار، وتطبيقاً للأفكار والتطبيقات التي ينتجها المبدعون في مختلف المجالات، وتحويل هذه الأفكار إلى واقع معيش على الأرض، وأداة من أدوات الإنتاج، وقد استطاعت دول العالم المتقدم الوصول إلى ما هي عليه الآن من تقدم وازدهار تنمويّ من خلال توفيرها المناخ المناسب لإطلاق طاقات الإبداع والابتكار في مختلف الميادين، من خلال توجيه أحجام كبيرة من الاستثمارات إلى القطاعات المهمّة، والمساعدة على تطوير هذه القدرات والطاقات الإبداعية، خاصة في قطاعات التعليم والتدريب والثقافة، والرّبط بين هذه القطاعات من ناحية وقطاعات الصناعة المطوّرة والدقيقة من ناحية أخرى، لتوفير المناخ الملائم لإكساب المتعلمين والمتدربين الخبرات والمهارات الإبداعيّة من واقع احتكاكهم المباشر بالواقع العملي. وبرغم التفوّق الواضح، الذي ما زالت الدول المتقدمة تحافظ عليه في هذا الشأن، فإن توفير المناخ الملائم للإبداع والابتكار لم يعد حكراً على هذه الدّول، بل إن هناك محاولات بل نجاحات كبيرة للعديد من الدول النامية والصاعدة في هذا الجانب، ولعلّ الطفرة التي بدأت تشهدها بعض اقتصادات الدول النامية والصاعدة تأتي نتاجاً لنجاح هذه الدول في توفير المتطلبات الضرورية لاستثارة طاقات الإبداع والابتكار بين مواطنيها، وتحويل الأفكار والتطبيقات التي ينتجونها إلى واقع على الأرض، وأداة من أدوات الإنتاج في العديد من المجالات، ولعلّ تجربة الازدهار التي تشهدها كلّ من الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا والبرازيل والهند وغيرها من الدول ليست إلا وجهاً من أوجه النجاح في هذا الشأن. وفي هذا السياق تعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من الدول التي تولي الإبداع والابتكار اهتماماً كبيراً، كأحد بل كأهم أداة من أدوات التطوّر الاقتصادي والتنموي بشكل عام، ولذلك فهي توجه استثمارات كبيرة نحو القطاعات التي تساعد على تفجير طاقات الإبداع لدى كوادرها البشريّة، وعلى رأسها التعليم والتدريب والبحث والتطوير، بالإضافة إلى الاهتمام بتطوير القطاعات الاقتصاديّة التي يرتفع فيها حجم المكوّن المعرفي ضمن القيمة المضافة، كقطاع الطاقة المتجددة، وقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصناعات المطورة، كصناعة أجزاء الطائرات، والصناعات الدقيقة مثل صناعة الرقائق الإلكترونيّة، بالإضافة إلى قطاع الإعلام الذي يعد من أهم القطاعات الجاذبة للطاقات الإبداعيّة في الوقت الحالي، هذا إلى جانب اهتمام الدولة بالربط بين المؤسسات العاملة في هذه المجالات والصناعات التي تمثل الحاضنة الرئيسية لطاقات الإبداع والابتكار من ناحية، والمؤسسات التعليميّة والتدريبيّة من ناحية أخرى، وذلك كوسيلة لتسهيل نقل الأفكار المبتكرة والإبداعات من مجرد أفكار نظريّة إلى أدوات ملموسة تسهم في دفع المجتمع نحو المزيد من التطور والتقدم، وقطع المزيد من الخطوات للحاق بركب العالم المتقدم. وبفضل هذه الجهود احتلت دولة الإمارات المرتبة الثانية عالميّاً، وفقاً لـ"مؤشر الرضا عن مناخ الإبداع" لعام 2012، الذي تصدره مؤسسة "استراتيجي وان" التابعة لشركة "جنرال إلكتريك" الأميركية، وهو المؤشر الذي يقيس مستوى سياسات الدولة الداعمة للإبداع والمبدعين في مختلف المجالات، وفاعليتها، هذا بالإضافة إلى مدى تمتّع الدولة بالمناخ المستقر والآمن الذي يشجع المبدعين على إبداعهم في مختلف المجالات، وهي الجوانب التي تتمتع فيها دولة الإمارات بتفوق كبير مقارنة بالعديد من دول العالم النامي، والمتقدّم أيضاً. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية