انتخابات نزيهة بكل المعايير، وتُشكَر الحكومة على موقفها رغم حدة الضغوط من بعض الرموز التي تسعى إلى تخريب الديمقراطية. فالنتائج جاءت بخلاف المتوقع، والتغير تعدى نصف أعضاء البرلمان، وجميع من اتهموا بقبض المال السياسي من نواب سابقين سقطوا، مما يؤكد الاتجاه المناهض للفساد وقدرته على إيصال رسالته للشارع الكويتي. ولعل المراقب للمشهد الكويتي يعجب لسقوط التيار الليبرالي وتراجع المرأة الكويتية التي لم تحصل على أي مقعد نتيجة لتشابك كثير من العوامل أهمها غياب الرؤية لدى العضوات السابقات ودخولهن في معارك القوى السياسية التي تعاني من أزمة تنخر عملها نتيجة عجزها عن فهم طبيعة التغير الاجتماعي في الكويت، وإصرار هذه القوى على احتكار المال الاجتماعي والسياسي وتهميش القوى الاجتماعية الجديدة الفاعلة. الرؤية لا تزال غير مكتملة في تحليلنا للوضع العربي عامة، لكن ما يلفت الانتباه هو ظهور الإسلام السياسي بتياراته المختلفة من جهة، وبروز ثقافة شبابية تقودها الشرائح الاجتماعية المتعلمة من جهة أخرى... مما يشير إلى تحول في طبيعة الصراع المجتمعي، ليس في العالم العربي فحسب وإنما في العالم كله. والحجة هنا أن العالم منذ الحرب العالمية الثانية لم تتغير فيه مراكز القوة، بينما أوجد عالم الاتصال والتواصل ثقافة مناهضة للسيطرة والهيمنة بأشكالها المختلفة. وفي الحالة الكويتية وما أفرزته الانتخابات الأخيرة، هناك مؤشرات على صانعي القرارات والأخذ بها وفهم أبعادها لكي لا تتطور الأوضاع وتتجه نحو التفجر الاجتماعي، ففوز الإسلاميين يجب فهمه ضمن متغيراته، خصوصاً وأن هناك تياراً إسلامياً حاكماً في تركيا المجاورة، وأن إسلاميي العالم العربي محكومون بأطر محلية تتفاعل مع أطر عالمية، ومن ثم فإن وضع هذه التيارات خارج السلطة يختلف عن وضعها في مواقع الحكم. فحزب "النهضة" في تونس و"العدالة والتنمية" في المغرب قدما أطروحات إسلامية متناغمة مع العصرية، وذلك على غرار الوضع في تركيا. أما الموضوع الأهم والذي ينبغي أن يهتم به صانع القرار الكويتي فهو العنصر القبلي والطائفي الذي ظهر في المشهد الكويتي، وقد يتطور نحو الأسوأ في حال إغفاله. فالمطلوب هو مواجهة الحقيقة التي تتجلى في تغير تركيبة المجتمع الكويتي، فاستمرار الاستحواذ على القوة من قبل التجار أو "أهل السور" هو أمر بحاجة إلى مراجعة، حيث الشرائح القبلية لم تعد كما كانت في السابق، كما أن شباب القبيلة حصلوا على مستويات تعليمية عليا وباتوا يشكلون قوة اجتماعية تبحث عن موقعها في ظل هيمنة المعادلة التقليدية. أما الصراع الطائفي فتجب معالجته ومواجهته والعمل على إحداث إصلاحات حقيقية تحقق العدالة الاجتماعية على أسس المواطنة والدولة الحديثة التي قننت العلاقة بين المواطن والحكومة. الكويت بأمس الحاجة لحوار وطني يناقش مثل هذه القضايا، وينطلق من أسس جديدة تعمل على الحد من عوامل الانفجار الاجتماعي، وتفوِّت الفرصة على من يريد شق الصف الوطني، لاسيما وأن الإقليم الخليجي يمر بمرحلة تتطلب منا جميعاً في دول مجلس التعاون صياغة جديدة للتوافق الخليجي.