قصة السرقات الأدبية في تاريخنا الثقافي لا تتوقف عند محطة أو جيل أو فئة، مثلها كبقية الظواهر المرتبطة بالفعل الإنساني وردة الفعل، تتواصل في مختلف المجتمعات وعند مختلف الشرائح المعنية بصناعة المعرفة والثقافة، يختلف شخوصها وأساليبها وقد تبدو أكثر إثارة في فصولها التي تكشّفت مؤخراً. أحدث الفصول هي حكاية الشيخ الشهير عايض القرني الذي قررت لجنة التأليف بوزارة الإعلام السعودية تغريمه 300 ألف ريال وسحب كتابه "لا تيأس" من الأسواق ومنعه من التداول لصالح الكاتبة سلوى العضيدان التي اتهمته بالاعتداء على حقوقها وسرقة كتابها. القضية صدمت الجميع، فصاحبة الدعوى سيدة من المجتمع السعودي، وهي من تلامذة الشيخ وكثير من القراء لم يسمع باسمها من قبل، أما المتهم فهو شيخ جليل، يمثل قدوة ومعلماً لأجيال، وهو علم إعلامي. إنكاره للتهمة في البداية ومن ثم اعتذاره للكاتبة بعد صدور الحكم في رسالة وجهها لها ونشرها الإعلام وتبريره يدينانه ويهزان الصورة الجميلة التي سكنتنا جميعاً له كل هذا الزمن. وتتعدد أشكال ومسببات السرقة الأدبية، ويذكر مثلاً وزير الثقافة الأردني السابق الشاعر جريس سماوي أن أحد الشعراء الجزائريين والذي كان له برنامج إذاعي شهير سرق قصيدة له ونشرها بإسمه، وعندما كشف أمره طالبه بالاعتذار لكي لا تتطور القضية وتصل إلى المحاكم، ففعل ونشر في الصحف اعتذاراً واعترافاً بذلك، وعذره كما قال إن ظروفاً مادية صعبة مر بها اضطرته للسرقة! وقبل عامين سحبت جائزة الشيخ زايد للكتاب اللقب من الدكتور حفناوي بعلي صاحب كتاب "مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن"، الحاصل على الجائزة في فرع الآداب، وذلك لأنه مارس فعل السرقة وكشفت الجائزة فعلته. أيضاً قصيدة موضوعها "أميركا"، ادعى الشاعر الأردني إبراهيم نصر الله في صحيفة "المستقبل" اللبنانية أن العراقي سعدي يوسف سرقها منه، وأنه صاحبها وقد نشرها قبل عام تقريباً في جريدة "القدس العربي" اللندنية، لكن سعدي ادعى بأن هذه القصيدة له وأنه أعاد نشرها بعد أن كان قد نشرها في أحد دواوينه منذ زمن بعيد، فاعتذر نصر الله عن ذلك "اللبس" الذي وقع فيه، وطويت القضية دون أن نعرف مَن السارق ومن المسروق منه! وأذكر مرة أن مجلة متخصصة في قضايا الإعلام نشرت على أكثر من صفحة في أحد أعدادها رسوماً كاريكاتورية لمجموعة من أشهر الرسامين العرب، تقابلها الرسومات التي سرقوها من مجلات وثقافات عالمية مختلفة، فكانت –للأسف- أعمالاً طبق الأصل في كل شيء! وعشنا هنا في الإمارات عدة قضايا من مسلسل السرقات الأدبية، ففي مرحلة التسعينيات تقريباً كانت هناك قضية استمرت سنوات طويلة في أروقة جامعة الإمارات ومن ثم في قاعات المحاكم بين أستاذ جامعي في قسم العلوم السياسية وأحد طلابه الذي اتهمه بالاستيلاء على بحث قدمه له لينشره في كتاب أصدره. وفي الثمانينيات فضح اتحاد كتاب وأدباء الإمارات أحد الكتاب الذي اشتهر بغزارة إنتاجه وقتها لسرقته بحثاً جامعياً للأديب إبراهيم الهاشمي ونشره ككتاب يحمل اسمه، لكن ليقدم الفاعل في النهاية اعتذاره ويتم سحب الكتاب المسروق. كما تابعت ساحتنا الثقافية قصص سرقات أدبية مختلفة، من سرقة بحث إلى مقالة إلى قصيدة شعرية... وقد نشرت الصحافة مثل هذه القضايا لكنها لم تصل إلى المحاكم، بل ظلت على ورق الجرائد بين السارق والمسروق والجمهور يتابع الأحداث وحالات الدفاع. لماذا يسرق هؤلاء النجوم؟ هذه قضية تحتاج إلى رصد وتحليل، فهؤلاء مشاهير وعلى قدر من التعلم والثقافة إن لم يكونوا هم الرواد والأساتذة والقدوة! كيف يبررون لأنفسهم هذه الأفعال التي ينهون عنها؟ هل اعتبروا أنفسهم فوق الشبهات وأن لا أحد يمكنه أن يكشفهم أو يدينهم، أو كما قال القرني لزوج سلوى عندما جاء إليه قبل عام ليناقشه في الأمر، فرد عليه: "أنا معي الإعلام والمعجبون"، فقال الزوج: "هي معها رب العالمين"، كما ذكرت الكاتبة في إحدى مقابلاتها؟ هل لأن هؤلاء عاشوا بريق الشهرة ونجومية الإعلام، فكان عليهم أن يبحثوا عن هذا الوهج وتقديم الجديد باستمرار، فخلطوا -وهم في عجلة من أمرهم- بين شروط الاقتباس وحدود السرقة؟ هل عندما يتقدم بهم السن أكثر يلتبس عليهم الأمر وتخونهم الذاكرة؟ أو هل دس على الكاتب الشهير مثلاً من خلال فريق الكتبة والسكرتارية الذين يقومون بإعداد المؤلفات التي تحمل اسمه، حيث مارسوا القص واللصق والإضافة دون إخباره أو الرجوع إليه؟ قد تبدو الإشكالية الكبرى في مجتمعاتنا العربية ليست في فعل السرقة وثبوتها ومحاكمة مقترفها، لكنها في الجمهور أحياناً، والذي يكذّب عقله، ويكذب الحقائق، ويصدّق عاطفته، فشيخه أو كاتبه أو شاعره... صادق في كل الأحوال، وهو بريء ومظلوم، وتبريره أن هذه "مؤامرة" حيكت ضده، وهكذا للأسف نعيش عقدة المؤامرة في مختلف شؤون حياتنا!