يقتنع كثير من خبراء الصحة العامة وعلماء التغذية بأن تناول السكريات بإفراط، سواء في المشروبات والمياه الغازية أو في الحلويات والعصائر، يسبب آثاراً صحية سلبية تماثل في فداحتها الآثار الصحية السلبية الناتجة عن شرب أو إدمان الكحوليات، أو تلك الناتجة عن إدمان النيكوتين الموجود في منتجات التبغ. وهذه القناعة عززتها مؤخراً دراسة أجراها علماء جامعة كاليفورنيا، ونشرت في العدد الأخير من دورية (Nature) العلمية المرموقة، حيث طالب القائمون على الدراسة بضرورة تشريع قوانين جديدة مثل فرض المزيد من الضرائب على المنتجات السكرية، للحد من الزيادة الرهيبة والمطردة في حجم المتناول من السكريات. وتأتي هذه المطالبات من داخل الولايات المتحدة على خلفية قوانين وتشريعات مماثلة في دول مختلفة مثل الدنمارك والمجر اللتين تفرضان ضرائب على الدهون المشبعة تعرف بضريبة الدهون (Fat Tax)، أو فرنسا التي تفرض ضريبة خاصة على المشروبات الغازية. وهذه الضرائب كانت قد فرضت في أعقاب تواتر الدراسات المختلفة التي تظهر أن زيادة أسعار الأطعمة غير الصحية، من شأنها أن تقلل من استهلاكها، ومن تبعاتها الصحية السلبية، وأن تزيد من استهلاك الأطعمة الصحية أيضاً. وإحدى تلك الدراسات أجراها علماء قسم الصحة العامة في جامعة "أوكسفورد" ببريطانيا، وخلصت إلى أن فرض ضريبة على الأطعمة غير الصحية، من شأنه أن ينقذ حياة أكثر من ثلاثة آلاف شخص سنويّاً في بريطانيا وحدها، يلقون حتفهم من جراء الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية اللتين تتسبب فيهما هذه الأطعمة، حيث استخدم العلماء التوقعات الاقتصادية، لإظهار مدى الانخفاض الذي سيحدث في مقدار استهلاك الأطعمة غير الصحية، بعد ارتفاع أسعارها نتيجة إضافة الضريبة، ومدى الزيادة التي ستحدث في استهلاك الأطعمة الصحية كبديل عن تلك التي ارتفعت أسعارها. ومن خلال تلك التوقعات أمكن للعلماء استنتاج الآثار الصحية التي سيجنيها أفراد المجتمع من جراء تناول كميات أقل من الأطعمة غير الصحية، وكميات أكبر من الأطعمة الصحية، وتأثير ذلك على احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب والمخ. وعلى رغم أن صناعة إنتاج وتكرير وتوزيع السكر -وهي صناعة تقدر بمليارات الدولارات- تنكر مثل هذه العلاقة، وتدعي أن المشاكل الصحية التي يعاني منها العالم حاليّاً ضمن طائفة الأمراض غير المعدية، لا يمكن إلقاء اللوم فيها على نوع واحد من الطعام، حيث إنها غالباً ما تكون نتيجة نمط غذائي غير صحي يشمل العديد من الأطعمة، إلا أنه من الصعب تجاهل العلاقة بين زيادة استهلاك السكريات وبين زيادة انتشار الأمراض غير المعدية. فحجم استهلاك الفرد الواحد حاليّاً من السكر هو الأعلى في تاريخ البشرية، حيث زاد الإنتاج العالمي من السكر بمقدار ثلاثة أضعاف خلال العقود الخمسة الأخيرة فقط ، ليصل عام 2011 إلى 150 مليون طن. وملايين الأطنان تلك، هي أساساً من السكر الأبيض أو سكر المائدة فقط (Sucrose)، ويمكن أن نضيف إليها ملايين الأطنان غيرها من المواد الأخرى التي تستخدم للتحلية، وتحتوي على مقادير مرتفعة من السعرات الحرارية، مثل سكر الجلوكوز (Glucose)، وسكر الفواكه أو سكر الفركتوز (Fructose)، وغيرها من السكريات والمُحليات. ويمكن تلخيص الآثار الصحية للسكر في الآتي: تسوس الأسنان، وزيادة الوزن أو السمنة، ارتفاع ضغط الدم، الإصابة بداء السكري، ومرض النقرس. ذلك أن البكتيريا القاطنة للفم -التي تتغذى على السكريات وتنتج حامض اللاكتيك- تتسبب في ذوبان الطبقة الخارجية للأسنان، ومن ثم إصابتها بالتسوس. أما إذا ما انتقلنا إلى زيادة الوزن والسمنة، فحدث ولا حرج. فربما كانت أهم ملاحظة في هذا الجانب، هي ترافق الزيادة في معدل استهلاك الفرد من السكريات خلال الخمسين عاماً الأخيرة، مع ارتفاع مماثل في نسب زيادة الوزن والسمنة بين أفراد الجنس البشري. حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية عام 1997 بلوغ السمنة درجة الوباء، مع تواتر التوقعات بأن تحل قضية السمنة محل قضايا الصحة العامة الأخرى، مثل الأمراض المعدية، وسوء التغذية، لتصبح السبب الرئيسي خلف التدهور العام في صحة الأفراد والمجتمعات، في ظل الإحصائيات التي تشير إلى وجود 1600 مليون شخص زائدي الوزن أو مصابين بالسمنة المفرطة حاليّاً. ومن التأثيرات الغريبة وغير المعروفة لدى العامة أيضاً العلاقة بين الإفراط في تناول السكريات وبين مرض النقرس، الذي يعرف أحياناً بمرض الملوك. وينتج هذا المرض الذي هو عبارة عن التهاب حاد في المفاصل، وأحياناً ما يتسبب في حصاوٍ وفشل في الكلى، عن ارتفاع حمض "اليوريك" في الدم. وفي حالة الإفراط في تناول السكريات، تترافق معها زيادة في إفراز هرمون الإنسولين، الذي يعيق بدوره خروج حمض "اليوريك" من الجسم، مسبباً ارتفاعه في الدم وإصابة الشخص بالنقرس. وهذا السيناريو يقع غالباً عند الإفراط في شرب المياه الغازية المحلاة بسكر الفركتوز. وليس من الغريب أو المسبب للدهشة هذه المضاعفات الصحية المتعددة والمتنوعة من جراء الإفراط في تناول السكريات، كون هذا النوع من الأطعمة لم يكن يشكل أبداً جزءاً كبيراً من غذاء الإنسان عبر العصور، بل ظل يعتبر من الرفاهيات باهظة الثمن حتى القرن الثامن عشر. وهو ما يعني أن العمليات الحيوية داخل جسم الإنسان غير مهيأة لهذا الفيضان من السكريات، الذي أصبح يشكل جزءاً كبيراً من غذاء العصر الحديث، وهو الاختلال الفسيولوجي الغذائي الذي ربما أصبحت معه التشريعات والضرائب هي وسيلتنا الوحيدة في الحد من آثاره الصحية السلبية.