ليس غريباً أن يخصص أوباما قسطاً مهماً من خطاب "حالة الاتحاد" ليوم الثلاثاء الماضي للحديث عن المشكلتين الرئيستين اللتين تواجهان الأمة، وهما ضعف الاقتصاد، وتراجع معدلات الالتحاق بالتعليم، فقد بذل أوباما جهداً خطابياً واضحاً وتجشم عناء مقدراً لإقناع الأميركيين بأن لديه أفكاراً وتصورات قادرة على التعامل مع تلك التحديات المترابطة، لكن رغم تأكيد الرئيس على المشكلتين المحوريتين: الاقتصاد والتعليم، إلا أنه أغفل الإشارة إلى حل معروف ومجرب ظل طوال الفترة السابقة غائباً عن أحاديث السياسيين وأصحاب الرأي، هذا الحل يتمثل في استراتيجية تعليمية مزدوجة تمتد إلى جيلين، وتستهدف بالأساس العائلات في محاولة لانتشالهم من الفقر، وبمعنى أوضح الاهتمام بالبرامج التي توفر التعليم للفقراء من خلال تمكين الأطفال والبالغين في الوقت نفسه من الفرص التعليمية المناسبة. فلسنوات طويلة، اعتمدت الولايات المتحدة في توفير الخدمات الاجتماعية التعليمية على مبدأ الفصل بين الأطفال والبالغين، وبين الأبناء والآباء، وكأن الأفراد ليسوا جزءاً من الأسر التي تحتاج هي الأخرى إلى الدعم، وفي هذا الإطار نجد العديد من البرامج الحكومية التي توفر الرعاية للأبناء خلال أوقات دوام الأمهات بأسعار معقولة، لكنها تتغافل عن توفير الدعم للأمهات ومساعدتهن على إيجاد فرص عمل ثابتة، فيما تركز برامج أخرى على توفير فرص الشغل دون الاهتمام بمعضلة رعاية الأطفال، خلال أوقات الدوام التي تؤرق الأمهات العاملات، فبدون خدمة العائلة والتركيز عليها تكون أميركا قد خذلت ليس فقط الفقراء، بل أدت إلى تكريس دوامة الفقر التي تؤثر على مجمل الاقتصاد الأميركي. ولضمان حركية اجتماعية واقتصادية للأميركيين، لا بد من مد العائلات الأكثر فقراً وهشاشة بالوسائل الضرورية، علماً أن تلك الطبقة الهشة ليس سوى الأطفال والأمهات العازبات، فرغم أن المصاعب الاقتصادية تمتد إلى جميع الأميركيين من دون استثناء، تبقى الأمهات العازبات الأكثر معاناة في ظل الأرقام التي تشير إلى أن أكثر من 40 في المئة ممن هن دون خط الفقر في أميركا تنحصر في العائلات التي تديرها الأمهات، والأكثر من ذلك أن هذه الاختلالات الاجتماعية تقع بالأساس على خطوط التماس العنصرية، بحيث تفيد إحصاءات عام 2010 أن 47.6 في المئة من العائلات التي تديرها الأمهات المنحدرات من أصول أفريقية و50.3 من الأمهات من أصول لاتينية يعشن حياة الفقر، فيما تصل تلك النسبة لدى الأمهات من أصول أوروبية إلى 32.7 في المئة ولا تتجاوز 30 في المئة لدى الأمهات من أصول آسيوية، هذا التركز لنسبة الفقر لدى فئات عرقية معينة هو نتيجة سنوات من العنصرية الهيكلية والاستراتيجية التي تستدعي بدورها حلولاً استراتيجية، لكن رغم مشاكل الفقر المعقدة هناك دائماً حل يتمثل في الاهتمام المبكر بالتعليم الجيد وإخضاع الأمهات إلى التعليم باعتباره محدداً رئيسياً في عملية الترقي الاقتصادي، وهو ما يقودنا إلى حل بديهي، وإنْ كان ما زال غائباً عن جهود المسؤولين، يركز على تعليم مزدوج يستهدف الأبناء والأمهات العازبات في مسار متواز، وذلك لخلق فرص حقيقية للتغير وتحسين مستوى الأسرى. والحقيقة أن برامج من هذا النوع تعتمد الاستراتيجية المزدوجة موجودة بالفعل في أميركا، بل تنامت خلال العقدين الأخيرين، فعلى سبيل المثال هناك برنامج "جيريمايا" الذي هو عبارة عن منظمة غير ربحية معنية بمساعدة الأسر الأميركية الفقيرة، فبعد سنوات من العمل الميداني الدؤوب اتجه البرنامج إلى التركيز على الأمهات العازبات، بحيث يستفدن من سكن مجاني، بالإضافة إلى الاستفادة من دورات تدريبية وتعلم مهارات أساسية، وذلك بالتوازي مع أطفالهن الذين يتلقون تعليمهم الأساسي خلال فترة تمتد على ثلاث سنوات. فكانت النتحية أن حقق البرنامج نجاحاً مذهلاً، فالأمهات اللواتي استفدن من البرنامج يدخلن التدريب وهن لايتلقين أكثر من 8 دولارات في الساعة فيخرجن بمهارات تؤهلن لتولي وظائف بين 15 و16 دولاراً في الساعة، وبفضل التدريب يتمكن 90 في المئة من النساء الحفاظ على عملهن فيما 55 في المئة منهن يكملن شهادة الأربع سنوات، لكن ما هي تكلفة مثل هذا البرنامج؟ حسب المشرفين على تأهيل النساء تبلغ الكلفة السنوية بالنسبة للعائلة الواحدة 25 ألف دولار، ورغم التكلفة العالية التي يتكبدها البرنامج لتأهيل الأسر، والتركيز على استراتيجية التعليم المزدوج، إلا أنها لا تقارن بتكلفة البرامج الفيدرالية التي تركز إما على الأمهات، أو الأطفال، فبين مصاريف رعاية الأطفال والبحث عن مأوى لهم، وبين الاهتمام بالأم التي أحياناً تدخل في مشاكل مع القانون تصل إجمالي التكلفة السنوية إلى 98 ألف دولار تنفقها الحكومة على برامجها الاجتماعية. وفي الوقت الذي يشعر فيه عدد متزايد من الأميركيين بالتشاؤم إزاء المستقبل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، فإن البرامج الاجتماعية المزدوجة التي تستهدف تعليم الأطفال وأمهاتهم في الوقت نفسه قادرة على إعادة بعض الأمل الضائع، لا سيما وأن التجربة التي انخرطت فيها بعض المنظمات غير الربحية في الولايات المتحدة أثبت نجاعة البرامج المزدوجة التي لا تهمل الأمهات على حساب الأطفال، أو العكس، مع التركيز على جودة التعليم الذي من دونه ستسمر الفوارق بين الشرائح الاجتماعية في أميركا، ويتواصل الفقر بمعدلات أكبر. ــــــــــــــــــــــــــــ كورتني مارتن كاتب أميركي متخصص في القضايا الاجتماعية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان سيانس مونيتور"