تتفاعل في نيجيريا مشكلة التناحر الطائفي بين جماعات متطرفة من المسلمين، وأخرى بعضها متطرف أيضاً من المسيحيين المنادين بانفصال الأقاليم التي يعيشون فيها. وقد تفجر العنف مجدداً بقوة في ديسمبر 2011 مع بدء احتفالات المسيحيين بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، حيث قام متطرفون ينتمون إلى منظمة تسمي نفسها "بوكوحرام" بتفجير كنائس كانت تقيم احتفالات تضم عدداً من المسيحيين. وأعقب ذلك ردود أفعال متباينة من المسيحيين بين مناد إلى العنف، وآخرون ينادون بالهدوء والحوار للتوصل إلى حلول سلمية للمشاكل القائمة، بالإضافة إلى ردود أفعال من الحكومة ورجال الدين من الطرفين، لكن الأوضاع لا تزال في تفاقم والضحايا يسقطون ونيجيريا تغلي على أتون من نار يهدد وحدتها وسلامتها الوطنية. المشكلة النيجيرية ليست بجديدة، وتعود جذورها إلى تركيبة المجتمع المعقدة التي تحتوي على طوائف وملل ما بين أغلبية مسلمة وأقلية مسيحية وطوائف أخرى لا دينية، وثقافات أفريقية قديمة. وتكمن المشكلة في أن الأقاليم في نيجيريا هي التي تسيطر على المركز وليس العكس، فالبلاد تتكون من أقاليم ذات مساحات واسعة وسكان عديدين، ولكل إقليم إمكاناته الاقتصادية الخاصة به. وينتج عن ذلك أن كل إقليم ينظر إلى ذاته بأنه يستطيع إقامة دولته المستقلة، لكن الأغلبية المسلمة تقف ضد الانفصال، ولا بد أن تخضع جميع الأقاليم للمركز، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى التصادم والحروب الأهلية وأعمال العنف. نيجيريا ذات تركيبة قبلية معقدة قائمة على وجود قبائل كبرى وأخرى أصغر منها، وهذا العامل يجعل القبلية عنصراً مهماً في الحياة السياسية لأن أكثر القبائل الكبرى مسلمة. ومما لا شك فيه أن القبائل كبيرة الحجم تسعى إلى السيطرة على السلطة السياسية وعلى المصادر الكامنة للقوة بأشكالها كافة، لكن القبائل المسيحية الأقل حجماً ونفوذاً تضم هي الأخرى أفراداً يحصون بالملايين، ومن المنطقي ألا تذعن طواعية لمشيئة القبائل الأكبر التي يريد البعض منها إقامة دولة وحكومة إسلامية، فنشأ عن ذلك صراعات تقود البلاد الآن إلى التفكك، وتفتح أبواباً واسعة للمؤسسة العسكرية لكي تستولى على السلطة. يلاحظ من الطرح السابق بأن فشل نيجيريا كدولة في حل مشاكلها المزمنة يعود بشكل أساسي إلى الثقافة السياسية وما يتفرع عنها، وبالقبلية، وبمستوى الاستقرار الموجود في المجتمع، وبالنعرات الإقليمية الكامنة. لكن من المفيد عند النظر إلى العوامل التي لها علاقة بالفشل الذي تواجهه الحكومة المركزية التمييز بين العوامل التي تعتبر عامة بالضرورة وتتساير مع التغيرات العالمية الحاصلة وبين العوامل التي تعتبر خاصة ب نيجيريا ذاتها. وعند الرغبة في القيام بذلك من المناسب تنظيم الطرح حول أربعة عوامل هي: المعطيات النيجيرية الأساسية من مادية وبشرية، والتنظيم الدستوري والمؤسس للبلاد، والتضارب وعدم التوازن المزمن في داخل نيجيريا الذي لم يصار إلى معالجته، وأخيراً مواقف ووجهات نظر وتدخلات الدول الأخرى في شؤون البلاد في عالم تسوده صراعات قوية جديدة من نوع خاص. ومن المحتمل أن يتغير كل مؤثر عبر الزمن وتحت ظروف معينة بحيث يؤدي إلى تفتيت بنية الدولة أو تحديث جوهرها، إما نحو تقويضها وتفككها أو نحو وحدة أقوى. وإلى هذه اللحظة يبقى مستقبل نيجيريا على ضوء ما يحدث فيها من أعمال عنف أمر غامض، ربما يفضي بها إلى التشتت.