الاحتجاجات التي اجتاحت الشرق الأوسط عام 2011 ، أدهشت العالم وأسرت خياله بعد أن نجحت الشعوب المقموعة الطامحة للحرية في كسر حاجز الخوف الذي كان يغل حركتها، والإطاحة بأنظمة استبدادية ظلت جاثمة على أنفاسها لعقود طويلة. وفي كتاب "الثورة 2.0 … قوة الناس أعظم من الناس في السلطة" الذي نعرضه هنا، يقوم أحد فاعلي الانتفاضة المصرية، وهو الناشط ومسؤول جوجل الإقليمي وائل غنيم الذي أنشأ صفحة "كلنا خالد سعيد" على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك". وفي كتابه الذي جاء في الذكرى الأولى لثورة 25 يناير، يرى "غنيم" أن نظام مبارك الذي كان أمنيا بامتياز، كان نظاماً يقوم على زرع الخوف في نفوس معارضيه، مما يكشف مدى الخوف الذي كان يشعر به من هؤلاء المعارضين. ويرى أن هناك أحداثاً فارقة كانت بمثابة المسامير التي دُقت في نعش النظام وأن أبرزها تمثل في الاحتجاجات الشعبية والإضرابات العمالية في مدينة المحلة الكبرى في السادس من إبريل، وهو التاريخ الذي اتخذته إحدى الحركات المعارضة ذات النفوذ الواسع (حركة 6 إبريل) اسما لها. ومن تلك الأحداث أيضاً حادث قتل الشاب السكندري "خالد سعيد" على أيدي الشرطة ثم قيل بعد ذلك إنه ابتلع لفافة من المخدرات أدت إلى وفاته، رغم علامات الضرب المبرح الظاهرة على وجه الضحية، في الصورة التي نشرت لجثته، والتي كانت سبباً في موجة سخط عارمة ضد الشرطة، التي كانت الكراهية تجاهها قد تصاعدت لأقصى حد بعد أن تمادت في قمع المصريين وإلحاق كافة صنوف الأذى والإهانة بهم لدرجة لم تعد محتملة. يقول غنيم إن قاعدة المشاركين في صحفته توسعت بسرعة شديدة، وتحولت من مجرد صفحة لمعارض على شبكة الإنترنت، إلى حركة معارضة سلمية. ويتحدث عن تفاعل الشباب المصري مع منجزات ثورة الاتصالات، وإجادته تقنياتها وتسخيرها لزيادة الوعي بالمظالم التي يتعرض لها الشعب، وضرورة الثورة على النظام القمعي، في حملة حققت حراكاً واسع النطاق، لم تنتبه له أجهزة النظام التي كانت تركز جهودها على التصدي للمظاهرات والاحتجاجات التي تقوم بها أحزاب المعارضة وجماعات الاحتجاج المختلفة. ويحتوي الكتاب على قدر كبير من التفاصيل بعضها معروف للقراء والجزء الأكبر منها غير معروف. فهو مثلاً يذكر كيف استقر الرأي على أن يكون انطلاق الثورة في صورة مظاهرات سلمية يوم الاحتفال بعيد الشرطة الذي يقام في الخامس والعشرين من يناير كل عام. ويقول غنيم إن الشرطة كانت تعتقد أن تلك المظاهرات حتى لو شاركت فيها جماهير ضخمة سوف تكون مظاهرات احتجاج تستمر بضع ساعات أوكثر وتنتهي عادة بانصراف المتظاهرين من حيث أتوا وخصوصاً إذا لم يتم استفزازهم. لكن ما حدث كان غير ذلك على الإطلاق. ويكتب المؤلف بتفصيل عن الاتصالات التي أجراها عبر شبكة الإنترنت والفيسبوك مع العديد من الناشطين الذين لعبوا دوراً مؤثراً في الثورة بعد ذلك، ومعظمهم من حركة السادس من إبريل، وكيف أن السلطات قد تنبهت لنشاطه غير المعتاد واعتقلته بعد يومين من انطلاق الثورة وأودعته سجن مباحث أمن الدولة حيث كان يطلق عليه "النزيل 41" حيث ظل هناك 12 يوماً مكبلاً مغمض العينين، بينما كانت نيران الثورة تتأجج في أنحاء مصر. ويقول أيضا إنه وإن كانت ثورة التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي هي التي مهدت لثورة 25 يناير، فإن الشباب المصري كان هو من أشعل شرارتها، قبل أن تلحق به الكتل الجماهيرية الحاشدة بعد ذلك. وهو يؤكد أن المعجزة تتمثل في أن العديد من هؤلاء الشبان الذين أشعلوا الشرارة وأججوا نار الانتفاضة التي أطاحت حكم مبارك الاستبدادي، لم يكونوا مسيسين، أي لم يكونوا ناشطين سياسياً، بل إن بعضهم لم يكن مهتماً بالسياسة في الأساس، لكنهم كانوا شباباً يمتلكون قدراً كبيراً من الطهارة والبراءة والإصرار وحب الوطن والمعرفة المتفوقة، وإرادة التحدي والاستعداد لمجابهة المخاطر. ويؤكد كما قال بنفسه في خطاب بميدان التحرير إنه ليس قائد الثورة، وإن قادتها الحقيقيين هم الموجودون في الميدان وأنه إذا ما كان بطلاً فإنه كان بطلاً على لوحة المفاتيح، وأن كل واحد منهم يشكل بطلاً في حد ذاته. ويتناول غنيم بالتفصيل وقائع ما حدث في الـ18 يوماً من عمر الثورة، ويقول إن تلك الأيام تحكي سردية عظيمة لشعب عريق لم يقدره نظام حكم متكلس حكمه لمدة ثلاثة عقود، تدهورت خلالها مكانة بلاده في كافة الميادين. سعيد كامل ---------- الكتاب:الثورة 2.0 … قوة الناس أعظم من الناس في السلطة المؤلف: وائل غنيم الناشر:هاوتون ميفلن هارتكورت تاريخ النشر: 2012