يرى عدد متزايد من خبراء الاقتصاد والمالية أن الصين التي تعتبر أكبر مصدر في العالم، وأكبر دائن سيادي وصاحبة ثاني أكبر اقتصاد فيه، ستتمكن يوماً ما من تقديم عملة الاحتياطي العالمي، التي ستحل محل الدولار. وفي الآونة الأخيرة، قال الاقتصادي "أرفيند سوبرامانيان" إن "اليوان" يمكن "أن تصبح عملة الاحتياطي العالمي الأولى بنهاية هذا العقد أو على أكثر تقدير مع بداية العقد الجديد". هذا الرأي اكتسب زخماً جراء الجهد المنسق الذي بذله القادة الصينيون لـ"تدويل" عملتهم، أي جعلها عملة دولية. فخلال قمة العشرين التي عقدت في شهر نوفمبر 2008، وفي ذروة الأزمة المالية دعا الرئيس الصيني إلى"نظام عالمي جديد يكون منصفاً، وعادلاً، وإدماجياً ومنظماً". وضع الدولار بات منكشفاً اليوم، بعدما فقد ربع قيمته منذ تطبيق نظام تعويم العملة عام 1973، ومنذ ذلك التاريخ فقد الدولار أربعة أخماس قدرته الشرائية (مقاساً أمام سلة من السلع الاستهلاكية). وهذا التدهور في وضع الدولار، يجعل رؤساء البنوك في دول الاقتصادات الناشئة مترددين، وهو أمر طبيعي ومفهوم فيما يتعلق بالاحتفاظ بالدولار كعملة احتياطي. وعلى الرغم من ذلك يمكن القول إن الرواية المتداولة حالياً حول صعود "اليوان" وتبوؤه مركز الصدارة هي رواية زائفة في الجزء الأكبر منها. السبب الأول، الذي يدعونا لقول ذلك إن وتيرة صعود الصين في المستقبل ستكون أبطأ كثيراً مما هو متوقع الآن، مما سيجعل "اليوان" يحتل مكاناً ليس كعملة الاحتياطي العالمي الأولى، ولكن كعملة احتياطية ثانية لا تتقدم في الترتيب عن غيرها من العملات مثل "اليورو" والين والفرنك السويسري والجنيه الإسترليني. قد نجد هنا من يقول إنه من الطبيعي بالنسبة لأي دولة تتبوأ، أو تقترب، من مكانة أو وضعية الدولة العظمى، أن تسعي لتدويل عملتها أي تحويلها لعملة دولية. ولكن يمكن الرد على ذلك بالقول إن هذا الكلام غير صحيح في جوهره، وأن الدول الصاعدة لسدة الهيمنة العالمية كانت تسعى عندما تصل لتلك المكانة لعمل العكس تماماً، حيث كان قادتها وصناع السياسة فيها يشكون في قيمة المنافع التي يمكن لهم تحقيقها من خلال تدويل عملتهم، لأن اكتساب عملتهم لمزيد من القوة نتيجة التدويل واحتفاظ عدد من الدول بها كاحتياطي للقيمة كان سيؤثر بالسلب على صادراتهم التي ستصبح أعلى سعراً من صادرات وبضائع الدول الأخرى وهو ما يضر بالتالي باقتصاداتهم. السبب الثاني، الذي كان يدعو قادة الدول العظمى للاحتفاظ بعملاتهم أن قيامهم بذلك يساعدهم على الاحتفاظ بالسيطرة على عملاتهم، في حين أن السماح بتدويلها يؤدي لفقدانهم لتلك السيطرة. هنا قد نجد من يطرح التساؤل التالي: طالما أن القوى الصاعدة على مسرح القوة والسيادة العالمية كانت تسعى دائماً للحيلولة دون تدويل عملاتها، فما هو السبب الذي يدعو الصين لعمل العكس؟ الإجابة أن الأزمة المالية العالمية كشفت للصين عن الأخطار الكامنة في هيمنة الدولار. فالنموذج الاقتصادي الصيني، اعتمد على تعزيز الصادرات من خلال المحافظة على سعر العملة الرسمية منخفضاً، وهو ما كان يتطلب من البنك المركزي الصيني شراء كميات كبيرة من الدولار لتعزيز وضعية الدولار باعتباره عملة الاحتياطي العالمي. ولكن تلك الأزمة كشفت أيضاً عن أن منافع هذا النموذج كانت أقل مما كانت تبدو عليه، وأن أكلافه ربما أكبر مما كانت تبدو عليه بكثير. وقد نتج عن ذلك أن الحكومة الصينية وجدت نفسها أمام خيارات متناقضة: تعظيم الصادرات من ناحية، مع تقليص عملية مراكمة الدولار، مع الاستمرار في ضخ القروض الرخيصة للشركات صاحبة الحظوة على حساب المدخرين، مع زيادة الاستهلاك المحلي. وقد برز من بين هذه الظروف خيار تدويل "اليوان" كهدف رسمي، ليس لأن ذلك الاختيار كان يحل الجدال المستمر منذ مدة طويلة بين "الإصلاحيين" وبين رأي التيار الرئيسي، وإنما لأن ذلك الخيار كان يجب أن يتحول إلى سياسة فعلية لأنه كان يخفي هذا الانقسام مما يسمح للناس الذين اختلفوا بأن يتحدوا ـ على الأقل في الأجل القصير-. من الخطأ استنتاج أن عملية تدويل "اليوان" محكوم عليها بالفشل، وما يدفعنا لقول ذلك إن الصين واجهت من قبل، مثل تلك التناقضات ليس من خلال الاصطدام بالوضع القائم مباشرة وإنما بالسماح لوضع بديل بالنمو من حوله. وإذا أخذنا في الحسبان القوة الاقتصادية الحالية للصين، واحتمال تخفيض قيمة عملتها في المستقبل، فإن "اليوان" قد يبرز في نهاية المطاف كعملة احتياطي ثانية. وإذا قام سوق أسهم وسندات يعتمد عليه لليوان أولاً في هونج كونج وبعد ذلك في الصين(البر الرئيسي)، فإن الأجانب سيبدأون في جعل "اليوان" واحداً من العملات التي سيضمونها لمحافظهم المالية إلى جانب عملات أخرى مثل الجنيه الإسترليني، واليورو، والفرنك الفرنسي والسويسري، والين الياباني وغير ذلك من عملات عالمية. ولكن ذلك أمر يختلف عن إزاحة الدولار عن عرشه والحلول محله. الصين تتقدم بسرعة مذهلة في الوقت الراهن وتكاد تلحق بالولايات المتحدة في العديد من المجالات، وخصوصاً من ناحية الحجم الإجمالي لاقتصادها، بيد أن كل ذلك لا يجب أن يدعونا للافتراض بأنها ستتمكن في نهاية المطاف من تحقيق الهيمنة المالية. وحتى إذا افترضنا أن ذلك الأمر سيتحقق على أي وجه من الوجوه فإن الأمر المؤكد أن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً للغاية. سباستيان مالابي عضو "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي أولين ويثنيجتون مساعد وزير الخزانة الأميركية السابق للشؤون الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تربيون ميديا سيرفسيز"